رسالة سعودية عنوانها السيسي”قطع الدعم عن لبنان”
قررت السعودية وقف مساعداتها للبنان بسبب مواقف اعتبرتها “مناهضة”. الرياض تستخدم وارداتها للعب دور “القوة الإقليمية العظمى المنفردة” حسب مراقبين. فهل ستقوم أيضا بمعاقبة القاهرة وقطع المساعدات عنها بسبب المواقف تجاه سوريا؟
لم تمر سوى أيام قليلة على إعلان الرياض وقف مساعداتها المالية للجيش وقوى الأمن اللبنانيين، حتى تساءل مراقبون إن كان الدور القادم بقطع المساعدات سيطبق على مصر، التي تقف موقفا واضحا تجاه الملف السوري بعدم التدخل عسكريا وتعتبر أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسيا فقط. المساعدات السعودية للبنان تفوق قيمتها ثلاثة مليارات دولار، والرياض عللت قطع المساعدات من خلفية نهج بيروت لمواقف “مناهضة” لها، كما حملت المسؤولية في ذلك لحزب الله، حليف دمشق وطهران.
لكن المساعدات السعودية والخليجية لمصر أكبر بكثير، فالسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت قدمت دعما سخيا لمصر بعد إزاحة الرئيس المصري السابق محمد مرسي عن السلطة في الثالث من يوليو/ تموز 2013 ، وتجاوزت المساعدات 20 مليار دولار حتى نهاية عام 2014.
خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس/ آذار من العام الماضي تعهّدت السعودية بـ 4 مليارات دولار لمصر على شكل ودائع ومشروعات استثمارية. وفي زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقاهرة ولقاءه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نهاية عام 2015 وعدت السعودية بتلبية احتياجات مصر البترولية خلال السنوات الخمس القادمة، وزيادة الاستثمارات السعودية في مصر لتصل إلى أكثر من 30 مليار ريال سعودي (8 مليار دولار)، نقلا عن وكالة الأنباء السعودية.
“لا مطالب سعودية.. ولكن”
لن يكون الدعم الخليجي لمصر بلا نهاية، والموقف المصري تجاه الملف السوري ليس مشجعا بالنسبة للمملكة التي تبدو غير راضية عن المواقف المصرية الرسمية، غير أنها لم تعبر عن ذلك بموقف رسمي صريح، حسبما قال الكاتب السعودي جمال خاشقجي في حوار مع DW عربية: “لم يصدر عن أي مسؤول سعودي أي تعبير بشأن عدم الرضا أو المتطالبات”.
ويشير الكاتب السعودي جمال خاشقجي إلى أن موقف المملكة تجاه لبنان مختلف عن موقفها تجاه مصر ويضيف :”لا يوجد ربط بين هذا وذاك. موقف لبنان حيال السعودية والقضية السورية يختلف تماما عن الموقف المصري. فالموقف المصري مستقل، بينما الموقف اللبناني غيرمستقل بل محارب”. كما أن السعودية “لم تعد تستطيع قبول تقديم مساعدة لبلد تنطلق منه سياسات عدائية تجاهها، قولا وفعلا”، حسبما يقول الكاتب السعودي.
لا تتفق الآراء في السعودية على لوم مصر ونهجها لموقف واضح بعدم التدخل في سوريا. الكاتب السعودي عبد العزيز الخميس يقول في تغريدة له على تويتر:
“مصر ماتزال دولة صديقة للسعودية!”
منذ وصول الملك سلمان بن عبد العزيز للحكم اتجهت سياسة المملكة للتصعيد مع الطرف الإيراني على جبهات مختلفة. مثلما هو الحال في اليمن التي تخوض السعودية فيها حربا معلنة مع الحوثيين، حلفاء إيران. كما أن تصريحات المسؤولين السعوديين التي أعلنت استعداد السعودية للتدخل برا تحت مظلة دولية وقيادة أميركية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا لم تكن بعيدة.
وتحاول مصر نهج جبهات ساخنة وأخذ موقف مستقل تجاهها وعدم التورط، كما يرى الكاتب الصحفي أسامة الدليل رئيس قسم الشؤون الدولية بالأهرام العربي في حوار مع DW عربية، حيث يشير يشير إلى أن “هناك توجه للسعودية لتكوين حلف سني إسلامي، كل هذه الطموحات إما أن تحصل عليها السعودية كاملة وإما أن تفقد كل شيء فورا”. ويضيف أن “مصر أعلنت دائما بوضوح أنها مع الحل السياسي ولا مع حل عسكري في سوريا. إنها ثوابت السياسة الخارجية المصرية فيما يتعلق بالملف السوري تحديدا”.
بعكس ذلك ينتظر السعوديون موقفا غير محايد من مصر تجاه ملفات المنطقة الساخنة، إذ يقول الكاتب جمال خاشقجي “كمراقب أرى أن مصر بحجمها وثقلها، تتمنى السعودية لو كان لها دور أكبر. ولكن الحد الأدنى المتوفر في العلاقات السعودية المصرية يجعل مصر ضمن قائمة الأصدقاء”. لكنه يستبعد طلبا سعوديا من مصر بالدخول بقوة في التحالفات التي تنشؤها السعودية: “من غير اللائق في العلاقات طلب شيء مقابل شيئا آخر. ثم إن الموقف السعودي الذي أعلن أكثر من مرة عن خشيته وحرصه على مصر وعن أهميتها بالنسبة للسعودية. وكما قلت فإن مصر ما تزال دولة صديقة للسعودية”.
“من ليس معنا فهو ضدنا”
يرى الكاتب المصري أسامة الدليل أن وقف المساعدات السعودية للبنان يشكل تطورا خطير، مشبها ذلك بما سماه “اللحظة الخطرة التي قال فيها الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش من ليس معنا فهو ضدنا”. ويوضح أن السعودية دخلت صراعات كبيرة في المنطقة. “الخبراء الغربيون، يعتبرون أن التيار المحافظ المتشدد في السعودية ربما أفضى إلى ما لا يمكن التنبؤ به”.
ومما لاشك فيه كما يقول الكاتب المصري- إن “السعودية تستخدم الكثير من مواردها من أجل التمدد والنفوذ السياسي وليس فقط الاقتصادي”. بيد أنها تستخدم كل مواردها في لحظة صعبة تقوم فيها بدور “القوة الإقليمية العظمى بشكل منفرد. وهي تنظر إلى نفسها كقوة سنية إقليمية ضخمة”.
انتظار موقف محدد من مصر بقوتها العسكرية وتعداد سكانها الذي يتجاوز التسعين مليون ليس أمرا هينا، فمصر تواجه بنفسها تحديات الإرهاب في سيناء والفوضى في ليبيا. ويضيف الكاتب المصري أن “الملابسات التي تحيط بالدولة المصرية تحجمها حتى عن التدخل المباشر في ليبيا رغم أن ليبيا عبء استراتيجي واضح وقوي وخطير”.
بيد أن الكاتب المصري لا يستبعد أن تقوم السعودية بالتلويح بقطع المساعدات عن مصر. لكنه يضيف ” لا أتصور أن السعودية ستفقد تسعين مليون مواطن مصري. وهو نفوذ فقدته الولايات المتحدة الأميركية وكسبته السعودية. ولا أظنها تريد أن تفقده”.