*مستقبل نفط صافر بين التخطيط والإرتجال
*المهندس/حسين بن سعد*
*في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وبجهود جبارة تمكن اليمن من الاستكشاف والتنقيب واستخراج الموارد النفطية في قطاعات متعددة من محافظة مارب مكنت اليمن من اتجاوز العجز الاقتصادي والمالي المتراكمين واستثمرت جزء كبيراً من هذه الموارد في تغطية العجز الكبير في ميزانية الدولة اليمنية من اعمار البنية التحتية من الطرق والمنشآت الاقتصادية وبناء السدود والحواد المائية والانتاج الزراعي واستيراد الموارد الغذائية والسلع الاساسية وغيرها من الاحتياجات حتى اصبحت العوائد المالية من الاستثمارات النفطية والغازية تمثل 80%من اجمالي الموارد الاقتصادية والمالية لليمن وتطورت هياكل وزارة النفط والمعادن وهيئاتها ومؤسساتها لتنتقل من مجرد متجر لاستيراد المشتقات النفطية وبيعها في السوق المحلية الى مساهم رئيسي عملاق في انتاج واستثمار الموارد والمنتجات النفطين وتسويقها داخل الوطن اليمني الكبير وخارد حدود هذا الوطن وجني الارباح والمكاسب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المرموقة .*
*وقسمت المناطق اليمنية الواعدة بالاستثمار في شمال وشرق اليمن الموحد الى اكثر من (50) قطاعاُ بنتيا تسابقت على الاستثمار في هذه القطاعات عدد كبير من الشركات النفطية من المحيط الخليجي والعربي والدولي حتى اصبحت اليمن قبلة للاستثمارات العالمية بسبب هذه الفرص الاستثمارية الكبرى .*
*وقد حثثت اليمن منذو منتصف الثمانينات عوائد مالية وسياسية واقتصادية ضخمة انعكست ايجابيا على الاستقرار الاقتصادي والسياحي والاجتماعي وتحققت التنمية بسبب دخل الموارد النفطية وحسن تدبيرها وادارتها ,إلا ان الظروف السياسية الناشئة بعد اعلان الوحدة اليمنية في عام 1990م اورثت اختلالات امنية وسياسية بسبب رغبة الاطراف السياسية في الاستقلال بهذه الموارد من منطق جيوسياسي منغلق ومطالبتهم بأقلمة المناطق اليمنية جغرافياً بما في ذلك المناطق المنتجة للنفط والغاز حتى تحول الامر الى مواجهات وصراعات مناطقية وعرقية واجتماعية خطيرة عصفت بالمجتمع اليمني المسالم الطامح الى حياة مدنية كريمة.*
*وجاءت الصراعات الاخيرة الناشئة عن الربيع العربي في عام 2011م لتدق الاسفين الاحير في الاستقرار السياسي الهش بعد حرب عام 1994م وانكشفت الصورة الحقيقية للإدارة الديماغوجية للموارد والكافات حتى لم تعد هذه الموارد تساهم في حل الازمات الاقتصادية المتلاحقة والمتعاظمة بل ساعدت في تفجير الصراعات في العديد من المناطق اليمنية .*
*في محاولة من القيادات السياسية اليمنية والخليجية لرأب الصدع وحقن الدماء تم تأسيس المؤتمر الوطني للحوار الذي استمر انعقاده لأكثر من عام قام خلاله المتحاورون بدعم عربي ودولي ببلورة مشاكل المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية وتحويله الى برنامج دستوري وسياسي قضائي وجيوسياسي بما في ذلك تقسيم اليمن الى ستة اقاليم جغرافية لتحقيق التوجهات السياسة والتنموية للمجتمع اليمي على المدى المتوسط والبعيد على قاعدة انشاء تلك الاقاليم.*
*وللآسف فقد تم توزيع هذه الاقاليم دون مراعاة للقدرات العلمية والاقتصادية والنفطية لكل اقليم حتى بدأت حركة انقلابية من الاقاليم الفقيرة اعترضاً على هذه القسمة غير العادلة .*
*وبالمقابل قامت السلطات المحلية في الاقاليم الثرية بالتمسك بحقوقها وسيطرتها على موارد هذه الاقاليم وأهمها الموارد النفطية والغازية واضطرت قوى العنف في الاقاليم المهمشة الاخرى الى الاستيلاء على الموانئ والمنافذ البحرية والبرية لتتمكن من توفير العائدات الضرورية لتحسين سبل عيش مجتمعاتها .*
*وكان اقليم سبأ هو الاقليم الاكثر ثراءاً من هذه الاقاليم الذي كون الى جانب سلطاته القبلية حجاباً امنياً مسلحاً لحماية موارده وسلطات نفوذه والاستعانة ببعض القوى السياسية والنافذة بما في ذلك الاستعانة بقوى خارجية لحماية مصالحه ومستقبلية الاقتصادي المرهون بعائدات هذه الموارد , ولقد حقق هذا الاقليم نهضة عمرانية خلال فترة هذا الصراع واستقرار سياسي يخدم الفئة السياسية المتحكمة بهذا الاقليم.*
*ونتيجة لعدم توفر الادارة المستدامة لهذا الامكانيات فقد حدث اختلال اقتصادي عميق في ادارة الموارد النفطية والغازية المتاحة في نطاق هذا الاقليم وحرمت الادارة المركزية من حصتها من الموارد المحلية السيادية مما تسبب في حدوث عجز شامل في تقديم الخدمات والمنافع الاقتصادية الاخرى لبقية المواطنين القاطنين في الاقاليم المحرومة من هذه الثروات التي كانت تغطي اكثر من 80% من احتياجات تلك الاقاليم قبل تأميم هذه الموارد اقليمياً ومحلياً بما في ذلك استيراد الغذاء ومصادر الوقود والمرتبات والخدمات واعادة اعمار البنية التحتية التي تمدرت نتيجة للصراع المحلي والتدخلات الخارجية .*
*ومثالاً لحالة الاختلال القائم في تشغيل وادارة الموارد النفطية والغازية في منطقة صافر التابعة جغرافياً لمحافظة مأرب من أقاليم سبا والناشئ اساس من عدم توفر الخبرات المحلية في المجالات الاستثمارية والقانونية والدستورية والبيئية على المستوى المحلي في هذه الاقاليم , فقد شهدت العمليات والانشطة الفنية والادارية التي مارستها الادارة الحالية لشركة صافر لأداره وتشغيل المنشآت النفطية والغازية المتمثلة في :-*
*عدد يتجاوز (700)بئراً نفط وغاز تنتج من (23) حقلاً نفطياً في منطقة صافر يقدر انتاجها اليومي بمعدل (35000)خمسة وثلاثون الف برميل يومياً واثنين مليار وسبعمائة مليون قدم مكعب من الغاز يومياً منها واحد مليار وسبعمائة مليون قدم مكعب يتم معالجتها في معامل الغاز لاستخلاص الغاز المنزلي بمعدل (24000)اربعة وعشرون الف برميل يومياً والكميات الباقية من الغاز يعاد حقنها بعد خصم الوقود والانكماش .*
*أنبوب نقل النفط الخام من حقول صافر النفطية الى الميناء البحري رأس عيسى الواقع في الساحل الغربي بمحافظة الحديدة والذي يصل طوله الاجمالي الى اكثر من (420)كيلو متر وبقطر (26)هنش وينقل مامقداره (100000)مائة الف برميل من النفط الخام يومياً .*
*أنبوب نقل الغاز الطبيعي المسال من منشآت استخراج الغاز وتقطيره بمجتمع صافر الى معامل لاسالة الغاز الطبيعي المسال بميناء بلحاف في الساحل الجنوبي بمحافظة شبوة والذي يصل طوله الاجمالي الى اكثر من (320)كيلو متر وبقطر (38) هنش وينقل ما مقداره (9) مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً الى منشآت مشروع بلحاف الاستراتيجية الذي بلغت تكاليف انشاءه وتشغيله اكثر من 7مليار دولار .*
*مصافى مأرب التي تنتج نفطاً مكرراً بمعدل ثمانية الى عشرة الف برميل يومياً وتشمل معمل التكرير ومنشآت وتوزيع النفط المكرر الى الناقلات التجارية .*
*إن ما حدث ويحدث للخارطة النفطية بالجمهورية اليمنية من تمزيق لكيانها وبناؤها المؤسسي من تدخلات وفرض قرارات محلية دون الرجوع الى الجهات النفية المؤسسية سوف يؤدي الى انهيارها الكامل … حيث انه من المفروض ان تظل هذه المؤسسات السيادية النفطية بعيدة عن المنهجيات الشخصية الارتجالية حتى تظل الصناعي النفطية خارج نطاق الصراع السياسي وحتى لا تحرم الاهداف التنموية الوطنية من عوائد هذا الاستثمار الوطني الهام .*
*فما يحدث اليوم في شركة صافر الاستكشاف والانتاج اوضح مثال لما سبق الاشارة الية , فهذا الصرح الاقتصادي العملاق والذي يمتد من مارب حتى البحر الاحمر لتصدير النفط الخام ومن مأرب الى البحر العربي لتصدير الغاز المسال يواجه تحديً صعباً نتيجة للإدارة التي اصبحت تعتمد على توجيهات مباشرة من المستوى المحلي ومن قبل قيادات ذات نفوذ اجتماعي وحزبي بعيداً عن التسلسل الاداري والفني لإدارة هذه المؤسسة السيادية في مخالفة كبيرة لقانون إنشاء الشركة الذي اعطاها كامل الاستقلالية المالية والادارية وهذا كله يحدث بسبب ضعف الادارة التنفيذية للشركة وعملية فصل الشركة عن الوزارة المختصة وهيئاتها يعرضها للتشرذم والفشل.*
*ويمكن القول ان شركة صافر تعيش حالياً وضعاً مأساوياً .. فإلى جانب انه يجري في الوقت الحاضر تدمير ممنهج للبناء المؤسسي والاداري القائم للشركة وتحويلها الى مؤسسة محلية متواضعة لا تستطيع الايفاء باحتياجاتها واصبحت عاجزة عن ادارة منشآتها الحيوية المتهالكة وحقولها النفطية المعرضة للإهمال وعدم الصيانة للآبار فهي الان مرشحة للتعرض لأخطار كبيرة لا تحمد عقباها ,فإنها اي شركة صافر تعمل منفصلة عن منظومة وزارة المالية والبنك المركزي اليمني كما قامت بتعطيل اعمال الرقابة الداخلية للشركة ورقابة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حتى لا ينكشف المستور فيما يتعلق بالإيرادات من مبيعاتها منتجات شركة صافر حاليا اكثر من نصف مليار دولار سنوياً وكما يمارس من هدر المال وارتكاب المخالفات حيث توقفت الرقابة على الشركة للأعوام الثلاثة الاخيرة ورفضت الادارة العليا للشركة مراجعة وتدقيق الحسابات من قبل بيت خبرة مالية معتمدة ومحايدة كما كان معمول به قبل الاحداث الاخيرة.*
*وفوق ذلك فأن أنظمة الشركة الداخلية ولوائحها تتعرض للتعطيل والاجهاض من قبل المدير العام للشركة ونائبة من خلال تسريح الموظفين الاداريين والماليين والفنيين الى منازلهم في مباني الشركة الرئيسية بصنعاء ومحطات انبوب نقل النفط الخام وخزان النفط العائم (صافر ) في ميناء الحديدة واستقطاع اجزاء كبيرة من رواتبهم بمبررات واهية مثل ترشيد النفقات وطبقا للتوجيهات السلطة المحلية بمأرب .*
*كما ان ارشيف الشركة الالكتروني وانظمة تقنيات المعلومات والاتصالات المركزية للشركة في صنعاء والتي تربط جميع مواقع الشركة والحقول النفطية تتعرض للتدمير والقرصنة بغرض إخفاء الأصول والممتلكات التابعة للشركة في العاصمة صنعاء تحت مبرر نقل مقر وإدارة الشركة الى مأرب والذي كلف الشركة عشرات الملايين من الدولارات.*