نشر موقع “ميدل ايست آي” البريطاني، تقريراً (الجمعة 2 سبتمبر/أيلول 2016) كتبه كل من بيتر اوبورن (الحائز على جائزة الصحافة)، ونوال المقحفي (مراسلة ميدل ايست آي)، اللذين زارا اليمن خلال الأسابيع القليلة الماضية، يكشف كيف محت السعودية، بشكل رهيب، ماضي اليمن العتيق وتراثه النابض بالحياة.
يقول معدا التقرير، إن السعودية لم تستهدف مجرد المدنيين خلال الحرب التي استمرت 18 شهراً في اليمن، لكنها أيضاً ضربت، مراراً وتكراراً، التراث المعماري الفريد، وألحقت دماراً لا يوصف. تراث اليمن النابض بالحياة وعدد من العمارة التي تعود إلى قرون من بين ضحايا الحرب في البلاد.
ويشير التقرير، أنه حتى مدينة صنعاء القديمة – التي يعود تاريخها لأكثر من 2500 سنة، وموقع التراث العالمي لليونسكو. في الحي القديم، كل شيء فيه لا يقدر بثمن وفريدة من نوعها، كما هو الحال في المدن الأوروبية، مثل البندقية وفلورنسا، لم تسلم من قبل طائرات قوات التحالف التي تقودها السعودية.
وينقل التقرير عن مدير الآثار في اليمن، مهند أحمد السياني، الذي تخرج من قسم علم الآثار من جامعة صنعاء قبل 30 عاماً، أن “75 موقعاً أثرياً تعرضت للقصف من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية أو من قبل تنظيم القاعدة”.
واتهم السياني، المملكة العربية السعودية بتدمير المواقع الأثرية التي لم تلعب أي دور عسكري. وأضاف: “هذه ليست أماكن يمكنك إخفاء فيها أسلحة أو مسلحين.. العديد من المواقع الاثرية تم قصفها بـ10-15 غارة جوية في آن واحد، لذلك نحن لا نتحدث عن خطأ”.
وأبرز السياني، من خلال حديثه، سد مأرب كمثال، الذي كان واحداً من عجائب الهندسة في العالم القديم. كانت مأرب عاصمة المملكة القديمة ملكة سبأ، التي ازدهرت خلال الألفية الأولى قبل الميلاد. حيث بقى سليماً، تقريباً، لأكثر من 2000 سنة قبل أن تقصفها طائرات السعودية العام الماضي.
وقال السياني، إن بعض الجدران انهارت، كما دمرت البوابة الجنوبية تماماً، ورغم أن هذه المنطقة يصعب الآن الوصول إليها بسبب القتال هناك، لكن تقول التقارير بأن أطلال المدينة القديمة عانت أيضاً أضراراً بالغة.
في صعدة، مبانٍ ومواقع أثرية دمرت واحدة تلو الأخرى
يقول معدا التقرير: لقد شهدنا بأنفسنا الدمار الرهيب الذي حل بالمدينة القديمة في صعدة، واحدة من أقدم وأهم المدن المميزة بالعمارة الترابية في شمال البلاد.
ولفت التقرير، أنه في بداية الحرب أعلنت قوات التحالف التي تقودها السعودية بأن كل صعدة هدف عسكري.
ويؤكد معدا التقرير أنهما شاهدا أدلة كثيرة تؤكد أن المناطق المدنية تعرضت للقصف من قبل طائرات التحالف. ويقولا: مررنا على طول الشارع الرئيس في مدينة صعدة، رأينا المباني واحداً تلو الآخر قد دمرتها الغارات الجوية. حتى باحة مسجد الإمام الهادي، المركز الروحي للمدرسة الزيدية، دمرت تماماً. كان من الصعب أن نتصور أي غرض عسكري يكمن وراء تفجير هذا الجزء من المدينة القديمة. حيث قال سكان محليون إنه لا يوجد جنود في المنطقة.
كما زار معدا التقرير مدينة صنعاء القديمة، التي تتكون من البيوت الطينية القديمة التي يرجع تاريخها إلى آلاف السنين، حيث قالا إن هذه المدينة تأتي، أيضاً، في ظل الهجمة الشرسة.
وأشار معدا التقرير أنهما أيضاً زارا منطقة الفليحي في المدينة القديمة لصنعاء، حيث تم تدمير العديد من المنازل القديمة تماماً وتضررت أخرى من ضربة جوية عنيفة في سبتمبر العام الماضي.
ويقول التقرير، إذا كان المجتمع الدولي مذنب في تجاهل الكارثة الإنسانية التي تواجه اليمن، فإنه مذنب أيضاً بغض الطرف عن حجم الدمار الأثري.
واتهم بعض الخبراء السعودية بالانسياق وراء دوافع مماثلة لداعش والقاعدة في تدميرها الممنهج للتراث والحضارة الإنسانية العملاقة.
وكتبت لمياء الخالدي، عالمة آثار في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، في نيويورك تايمز: لايوجد أي مبرر للسعودية في قصف وتدمير هذه المواقع التراثية الثقافية والحضارة اليمنية القديمة، سوى أنه نفس الفكر “الظلامي” الذي يبرره “داعش” في تدميره لمواقع التراث الثقافي. ليس هناك تفسير آخر على الهجوم السعودي لهذه الكنوز الأثرية التي لا يمكن أن يستغني عنها العالم.
وأشارت عالمة الآثار لمياء الخالدي، أن التحالف الذي تقوده السعودية قد يكون متعمداً الاستهداف للتراث اليمني.
ولفتت الخالدي إلى أن عدة مصادر أكدت أن اليونسكو ووزارة الخارجية الأمريكية أعطت التحالف قائمة بمواقع محددة لتجنب استهدافها، لكن السعودية تجاهلت مشورة حليفتها الولايات المتحدة التي توفر لها الدعم اللوجستي والاستخبارات والدعم المعنوي للحملة الجوية في اليمن.
ملاحظة المحرر: بيتر اوبورن (الحائز على جائزة الصحافة) ونوال المقحفي (مراسلة ميدل ايست آي) هما من بين عدد قليل من المراسلين الذين غامروا في اليمن الذي مزقته الحرب خلال الأسابيع القليلة الماضية: معظم تقاريرهم هي من المنطقة التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث تم مرافقتهم، ومقابلاتهم ومراقبتهم من قبل مرافقين حوثيين. ونحن، مع ذلك، على ثقة بأن ما قيل لهم من قبل الذين تم استجوابهم حقيقة.