مع فشل الجولة الثانية من مشاورات الكويت في التوصّل إلى أيّة حلول للأزمة المندلعة منذ مارس 2015، عاد حديث الحسم العسكري ليتصدّر المشهد من جديد. حديث ترتسم معه الكثير من التساؤلات حول إمكانية الحسم وقابليّته للتنفيذ، خصوصاً أن الملفّ اليمني برمّته، بات مرتبطاً بحسابات إقليمية ودولية، تجعل المعادلة في هذا البلد أكثر تعقيداً، ويغدو معها الأمل في الانتهاء من الحرب بعيداً.
الحسم… إرادة محلّية أم دولية؟
يرى بعض المحلّلين العسكريّين أن ما يشهده اليمن، اليوم، هو توازن ضعف لا توازن قوّة، معتبرين مسألة الحسم العسكري مسألة إرادة إقليمية ودولية وليست إرادة محلية، ولذلك ظلّ الوضع متذبذباً وغير واضح أو محسوم.
في هذا السياق يعتقد الخبير العسكري اليمني، نشوان المقبلي، أن “الريموت الدولي يلعب دوراً كبيراً في عرقلة الحسم العسكري في اليمن”، لافتاً إلى أنّ “الموازين العسكرية ظلّت تميل لمصلحة الشرعية، والاستعداد المحلّي للحسم العسكري كبير جدّاً، ولو أن هناك ضوءاً أخضر من التحالف العربي، وبعض الأطراف الدولية، لنجح الحسم العسكري في البلاد قبل زمن”.
وعن أسباب هذه “العرقلة” يقول المقبلي، لـ”العربي”، إن “هناك قوى دولية لا تريد الحسم العسكري في اليمن، من أجل أن تحتفظ بورقة عسكرية تخوّف بها اليمن، وتقدّم ذاتها كحام، ومن أجل النفط والمصالح، وأغراض في نفس حملة الحقائب الدبلوماسية البنّية والسوداء”.
في المقابل، يرى آخرون أن السعودية، التي تقود “التحالف العربي”، شعرت بأنّها “تورّطت” بالتدخّل العسكري، وبأنّها “عاجزة” عن تحقيق الحسم، بفعل “ضعف” الطرف الذي تحالفت معه محلّيّاً، إلى جانب الخسائر التي تكبّدتها على الحدود وفي الداخل.
يوضح ذلك المحلّل السياسي والمهتمّ بالشؤون العسكرية، أحد أعضاء وفد “أنصار الله” إلى الكويت، أحمد المؤيّد، بالإشارة إلى أن “وسائل إعلام العدوان تطالعنا بين وقت وآخر بأنّهم قادرون على حسم المسألة عسكريّاً، وأنّهم طوّقوا صنعاء واقتربوا منها، وأن مسالة دخول صنعاء مسألة وقت وغيره”، متابعاً، في تصريح لـ”العربي”، أن هذا الأمر “يذكّرني بأن أوّل حديث عن تطويق صنعاء كان يوم 25 أغسطس من عام 2015، ودارت حلقات، وأشيعت أخبار… إلى آخره، ولم يتمّ منها شيء؛ ولا زال الأمر مستمرّاً بنفس الطريقة منذ شهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر، يعني في كل مرّة يحتاجونها في الاستهلاك الإعلامي يسوّقون مثل هذه الأخبار”.
ويعتقد المؤيّد أن الغرض من التصعيد الإعلامي “التغطية على الحدث الأبرز في اليمن، وهو اجتماع مجلس النوّاب”، لافتاً إلى أنّهم “يعرفون أن الورقة الأقوى الآن هي بيد القوى الوطنية المناهضة للعدوان، ويريدون أن يقلّلوا من هذا الحدث، فيعملون بعض الزوبعات الإعلامية في ما يخصّ الحسم العسكري”، معتبراً أن “الحسم العسكري لم يتوقّف على اليمن منذ 15 شهراً أو أكثر، والقصف هو نفس القصف، والحشد هو نفس الحشد، ومجاميع في كلّ مكان تتّجه، وتدعمها السعودية بكرم بالغ، وتدعمها بالطيران، وبالتالي لا جديد على المسألة العسكرية سوى أن الشعب اليمني صامد، وأن الشعب اليمني اكتسب خبرات قتالية أقوى، وبالتالي يستطيع الصمود، ويستطيع السيطرة على كلّ محاولات الإختراق التي تقوم بها دول العدوان ومجاميعها على الأرض”.
معركة صنعاء
بعد انسداد الأفق السياسي، ووصول مشاورات السلام في الكويت إلى اللاشيء، كان من “الطبيعي” استئناف العمل العسكري على الأرض وفي الجوّ، كما يقول أحد عناصر “مقاومة صنعاء”، عبد الكريم ثعيل، لـ”العربي”، ولكن السؤال: ما الذي ستسفر عنه هذه العودة؟
يذهب البعض إلى أن معركة صنعاء سبق الحديث عنها منذ فترة طويلة، تماماً كمعركة تعز، ولكن ما لوحظ هو أن الإعلان عن المعركتين ظلّ إعلاناً هزليّاً ومجرد هرطقات، وإلّا لكانت نفّذت.
يردّ عبد الكريم ثعيل على ذلك بالقول إن “الحكومة اليمنية تراجعت عن معركة صنعاء بحكم الفاتورة التي ستتطلّبها هذه المعركة من الدماء والدمار، وحاولت أن تجنح للسلام، استجابة للدعوة الدولية ولدعوة الأمم المتّحدة، ولكن الآن معركة صنعاء صار الحديث عنها غير الحديث عنها قبل فشل مفاوضات الكويت، والآن هناك استعداد كبير لخوض المعركة وبجدّية هذه المرة، وهناك ضوء اخضر من قبل العالم الآن، بعكس المرّة السابقة للحسم العسكري”.
من جهته، يعتقد باسم محمّد الحكيم، المهتمّ بالشؤون العسكرية في اليمن، أن “صنعاء، عبر التاريخ، تسلّم للأقوى، ومعركة صنعاء هي معركة الحزام الأمني القبلي المحيط بها، والحزام الأمني هذا يتعامل ببرجماتية عالية، وليس لديه ارتباطات مذهبية بجماعة الحوثي، وعندما قرّر مساندة الحوثيّين أثناء الانقلاب كان من باب المصلحة”.
ويضيف الحكيم، في تصريح لـ”العربي”، أن “تحرير صنعاء يبدأ أوّلاً بتحرير المحافظات التي تلتحم بالحزام القبلي حول صنعاء، وهذه المحافظات هي مأرب والجوف وصعدة وعمران، وبمجرّد أن تصل قوّات الشرعية إلى أسوار صنعاء، ستكون الرسالة قد وضحت بأن الشرعية هذه المرّة جادّة وقادرة على حسم المعركة”.
غير أن مراقبين ومحلّلين يعتبرون أن ما يجري في صنعاء وغيرها من المحافظات، ليس سوى مناورات لممارسة ضغوط سياسية، على اعتبار أن التنازلات الموطّئة للحلّ يُفترض أن يسبقها استشعار طرف ما بأنّه الأضعف. هذا ما تراهن عليه قوّات “الشرعية” بحسب هؤلاء.
أمّا على الضفّة الأخرى، فيرون عكس ذلك تماماً، حيث تعتقد جماعة “أنصار الله” والقوّات المتحالفة معها أن مناوئيها لن يتمكّنوا من تحقيق حسم عسكري، بحكم أنّهم ضعفاء، وليست لديهم مساندة ولا موافقة شعبية، ولا هو “قادرون أمام الجيش واللجان الشعبية، التي هي من تفرض نفسها على الأرض”.
في هذا الصدد، يجزم أحمد المؤيّد أنّهم “لا يستطيعون دخول صنعاء”، معتبراً ذلك “أمراً مفروغاً منه، من ناحية التضاريس والجغرافيا، وولاء القبائل وارتباط المقاتلين بالأرض من ناحية أخرى”، عوامل يقابلها، في الجانب الآخر، “عدم ارتباط عملاء السعودية بالأرض، وخوفهم من التقدّم أكثر؛ فلا توجد لديهم حاضنة شعبية، والتضاريس لا تخدمهم، والطيران لا يستطيع أن يخدم كثيراً في حال وجود جبال وأودية. إضافة إلى ذلك، هناك جيش متمركز ومحيط بصنعاء بشكل كامل، ولجان شعبية منتشرة في كلّ الجبال والأودية والقرى، مسلّحة تسليحاً جيّداً، صامدة في مواقعها ولا يشتُرط أن تتّخذ موقف الهجوم، تستطيع أن تتّخذ موقف الدفاع، وتستطيع أن تعيق التقدّم إلى صنعاء، والمسألة العسكرية مستبعدة بشكل كبير، ولا أعتقد أنّها ذات جدوى في هذه الأيّام، فهي دعايات إعلامية، فقط، للتشويش على الحدث الأهمّ في صنعاء، وهو المجلس السياسي”.