تقرير مهم جدا “في ذكرى مرور عام على الحرب في تعز.. من أشعل عود الثقاب الأول؟
حسين الجنيد، زكريا الشرعبي
عامٌ من الدمارِ والخرابِ والدم النازف يوماً إثر آخر، ومدينة تعز تحوَّلت هضابُها في لحظة مفاجئة من منارات للحلم إلى أوكار للكوابيس تأتدم فيها الأرواح الشريرة على لحوم الأبرياء ودمائهم.
فعلى مدخل حي الجمهوري بمدينة تعز يقفُ عددٌ من الأشخاص كثيفي اللحى مغطاة رؤوسهم بالعمائم السوداء وإلى جانبهم سيارة طليت باللون الأسود عليها سلاحٌ من نوع رشاش وكذلك حاجز اسمنتي عليه علَم داعش.
ليس هذا مدخل حي الجمهوري الذي نعرفه منذ طفولتنا حين كنا نذهب إلى مدرسة ثانوية تعز الكبرى، فقد أسقط علَم الجمهورية الـيَـمَـنية من ساريات الأعلام في الحي ورفرفت مكانَه أعلامُ داعش، وفي هذا الحي يقيم أبو العباس “عادل عبده فارع” قائد جماعة “حُماة العقيدة “إمارته الإسلامية.
تمتدُّ “الإمارة الإسلامية “من حي الجمهوري إلى باب موسى والمدينة القديمة، وفيها تتجول الجماعاتُ الإرهابية بالسيارات السوداء وتفتك بكل من يخالفها، بأحكام مسبقة، إما التحوث أَوْ الردّة عن الدين.
وتسيطر جماعة حمود المخلافي وصادق سرحان (الإخوان المسلمين) على منطقة الروضة ووادي القاضي وحي الحصب وشارع جمال ومناطق أخرى وسط المدينة.
وكذلك تتوزع مليشيات أخرى لا حصر لأسمائها أَوْ كُنى قياداتها في أزقة وشوارع المدينة، محيلة فضاءاتها الشذية برائحة الشقر الصبري، إلى أقبية معتمة بالحقد موحلة بدماء الأبرياء.
سحلٌ وذبحٌ وقتلٌ للمواطنين الأبرياء، نهب للمنازل والمتاجر والشركات التي غادرها أصحابها خوفا من سواطير هذه المرتزقة، وخوف ورعب في أنفس من تبقى في المدينة من أجل حماية أملاكه من النهب.
فمن الذي أحال كاذي المدينة إلى جمر محرق، وأية لعنة تلك التي حلت على أبناء المدينة وشرّدتهم على أنحاء الـيَـمَـن نازحين.
يقول بعضُ أبناء المدينة إن قيادات الإصلاح بدعم من العُــدْوَان الأمريكي السعودي هم سبب ما حدث ويحدث في تعز.
وتقول قيادات الإصلاح أن الجيش واللجان الشعبية هم من أشعلوا الحرب بتعزيزاتهم التي نزلت إلى تعز، كما يقول آخرون إن الأحداث التي حصلت إثر فرار الرئيس المنتهية ولايته والمستقيل، من صنعاء إلى عدن، ومن ثم مهاجمة مليشياته المؤلفة من الانفصاليين والإرهابيين لمعسكر الأمن المركزي وذبح عدد من الجنود واستبدال علم الوحدة بعلَم الانفصال هي التي ألقت بظلالها على مجريات الأحداث في تعز فكانت سبب انفجار الوضع فيها.
وبين هذا وذاك تبرز أحداث ما قبل اندلاع المواجهات في تعز وبدء العُــدْوَان الأمريكي السعودي على الـيَـمَـن مشيرةً لجامعي حطب الفتنة، فمَن أشعل عود الثقاب الأول في ثوب الحالمة تعز، واستبدل ملامح جمالها بالقبح والدمار؟.
نُـذُرُ الحرب ومحاولاتُ إخماد الحريق
ولمعرفة الجاني الحقيقي علينا العودة بالأحداث لما قبل انفجار الوضع وخروجه عن السيطرة، فلا حريق بدون جامعٍ للحطب، وساعٍ مع سبق الاصرار وتبييت النية لإشعاله.
وفي إجابةٍ على أحد الأسئلة المتعلقة بتلك الأحداث، أثناء مقابلةٍ أجرتها “صدى المسيرة” مع الأستاذ سليم مغلس عضو الوفد الوطني المفاوض، التي أوضح فيها طبيعة الوضع آنذاك، والعوامل التي أثرت على مسار الوقائع باتجاه التصعيد، وفي استعراضٍ سريعٍ للأحداث قال مغلس: “عندما نزلت تعزيزات من الجيش واللجان الشعبية إلَـى محافظة إب لإنقاذ المحافظة من عناصر القاعدة التي هاجمت واستولت على مديرية العدين، ثبت حينها أنّ حمود المخلافي كان ينسق مع القاعدة في هذه المديرية، ويلتقي بقياداتها ويرفدهم بالمسلحين، وعقد معهم عدة اجتماعات متواصلة، وفي ذات الوقت كان ينظم علاقاته مع قيادات من اللواء 35، حيث كانت عناصر القاعدة تدخل إلَـى شرعب وتعود إلَـى العدين، وقد كان لأَبْنَاء شرعب الشرفاء دورٌ مهمٌّ بطرد هذه العناصر والوقوف بوجهها ومنعها من دخول المنطقة.
“تسارعت الأحداث بشكلٍ عام على المستوى الوطني مؤثرةً على الوضع في تعز، فبعد فرار هادي إلَـى عدن أرسلت قيادة الجيش كتيبة كتعزيز لقوات الأمن الخاصة نتيجة للظروف الذي يمر به البلد، وكذا لتعزيز الأمن وتأمين الطرق المؤدية إلَـى عدن، حينها قام حزب الإصْلَاح ومَن معه بالتجييش أَمَـام مقر قوات الأمن الخاصة والاعتداء على الجنود واستفزازهم لأَكْثَر من مرة وكذا الاعتداء على أَفْـرَاد من قوات الأمن الخاصة في الشمايتين، واستقدام مجاميع من الصبيحة لمحاصرة إدَارَة الأمن في الشمايتين، وقد كانت خطوة من حزب الإصْلَاح وهادي والصبيحي لنقل المعركة إلَـى التربة الشمايتين وتعز، وسقط جراء أحداث الشمايتين شهيدان من قوات الأمن الخاصة وهم من أَبْنَاء الشمايتين”.
مضيفاً أن المؤسسة الأمنية تجاوزت تلك الأحداث بتكاتف کُلّ الشرفاء في تعز، وكنا نعالج الإشكاليات أولاً بأول بهدف تجنيب تعز ويلات الفوضى والحرب، ولكن ذلك لم يرُق لهم ولا للفار علي محسن وأَياديه داخل اللواء 35، فأعلنوا التمرُّدَ على قائدهم وتم طرده من مقر القيادة، بقيادة مباشرة من عدنان الحمادي، وكان هذا الانقلابُ داخل اللواء بمثابة قرارٍ من قبل العُــدْوَان السعودي الأمريكي ومرتزقته باستهداف المحافظة واقحامها في أتون الصراع الذي حاولنا جاهدين ابعاد تعز عنه.
تبع هذا الانقلاب قرارٌ من الرياض أصدره الفار هادي بتعيين عدنان الحمادي قائداً للواء وتم صرف رواتبهم من الرياض، ومن ثم بدأت مليشياتُ الإصلاح ومرتزقة العُــدْوَان بالتوافد إلَـى اللواء 35 وتسليحهم، وبدأت هذه المليشياتُ بالانتشار في المدينة بآليات ودبابات اللواء 35، ونصب النقاط والتمركز في بعض التباب واستهداف أية دوريات لقوات الأمن، وكذا استهداف أي جندي سواء أكان من الحرس أَوْ غيره، وسقط شهداء وجرحى، وكانت هناك محاولات حثيثة من جانبنا وبالتعاون مع الشرفاء من أبناء المحافظة قدر الإمْكَان لاحتواء ذلك التصعيد، إلَّا أن الأَمْوَال السعودية كانت مغريةً للدرجة التي أعمت المرتزقة وختمت على قلوبهم وصدتهم عن طريق الصواب، وفي هذا إشارة تبرز الحقد السعودي العُــدْوَاني وحقد مرتزقته على تعز، كما هو على بقية محافظات الـيَـمَـن.
وبعد اندلاع المعركة حاولت قواتُ الجيش والأمن واللجان الشعبية نقلَ المعركة إلَـى خارج المدينة، حيث تواجد اللواء 35 وحصر المعركة في حدود اللواء بَعيداً عن الأحياء السكنية، وحسمت المعركة وفرَّ عدنان الحمادي وَمليشيات الإصْلَاح وبقية مرتزقة العُــدْوَان من داخل اللواء 35.
وفي ظل الفراغ الأمني الذي حصل وسط المدينة نتيجة عدم تواجد الجيش واللجان الشعبية؛ بسبب حرصهم على عدَم زيادة التوتر ومنعاً لحدوث الاحتكاكات، استغل هذا الفراغ حمود المخلافي، فقام هو ومسلحوه بالانتشار والتمركز وسط المدينة، مستحدثين النقاط والمتاريس في شوارع المدينة، والتقطع لكل مَن يختلف معهم في تأييد العُــدْوَان السعودي الأمريكي، وقاموا بتفعيل عناصر القاعدة والجماعات التكفيرية الذين كان يتم استجلابهم وارسالهم لتعز منذ احداث كتاف صعدة وعمران بالإضافة إلى الفارين من المعارك الدائرة في المحافظات الجنوبية، واقتسموا المدينة، حيث والقاعدة تتولى السيطرة على مناطق من باب موسى والمدينة القديمة والباب الكبير وشارع 26 وحوض الأشراف ومن ثم إلَـى حارة الجمهوري جنوباً ويفتحون جبهة ضد أَبْنَاء الجحملية هناك، والمناطق الشمالية من المدينة من عصيفرة والروضة وغيرها يتولاها المخلافي ومليشيات الإصْلَاح وفتح جبهة لمواجهة قوات الجيش والأمن في جولة القصر، واحتدمت المعارك والتي بذلت کُلّ الجهود لتفاديها، واضطر في الأخير الجيش وقوات الأمن إلى جانب الشرفاء من أَبْنَاء المحافظة إلى التصدي والدفاع عن كرامتهم وعن أنفسهم، وهي معركة فُرضت فرضاً على مدينة تعز وأبنائها في إطار مواجهة العُــدْوَان السعودي الأمريكي ومرتزقتهم في الداخل، وكل شرفاء المحافظة يدركون ويعرفون تمام المعرفة حجم مؤامرة هذا العُــدْوَان على الوطن وعلى المحافظة، كما يدركون ويعرفون كم من المساعي والجهود التي بذلناها معهم في سبيل تجنيب المحافظة هذا الصراع المدمر.
خلاصة ما قاله الأستاذ مغلس أكده بيان اللجنة الأمنية بتعز والصادر بتأريخ 12 ابريل 2015م، وهو أيضاً ما أكدته تصريحات العميد أمين البحر، وكيل محافظة تعز لشئون الدفاع والأمن، رئيس اللجنة الأمنية بالمحافظة، التي نشرت في تأريخ 14 ابريل 2015م، وهو أيضاً ما أكده وطابقه تصريح قائد قوات الأمن الخاصة بمحافظة تعز، العميد حمود الحارثي.
ومن خلال مراجعة الأحداث عن طريق المصادر المتعددة، والتي تطابقت فيها الشهادات، نصل لحقيقة الجامع الفعلي لحطب الفتنة، والساعي بإرادته الحثيثة وأجندته المعدة سلفاً لإشعال تعز وتفجير الوضع فيها، أن قيادات حزب الإصلاح وأذرعها في المحافظة هم من أرادوا ذلك لتعز، تحت عناوين ومبررات لا تعطيهم الحق حتى وإن كانت عادلة لإقحام تعز أتون هذه الحرب التي دمرت المدينة وشردت ساكنيها.
ورغم انفجار الوضع في تعز واندلاع الحرب، لم تسلّم القوى الوطنية الثورية والشرفاء من أبناء المحافظة بالأمر الواقع، بل ظلت تسعى لإيجاد أي اتفاقٍ وبأية صيغةٍ كانت؛ لإخراج المحافظة من نفق هذه الحرب التي أتت على كُلّ شيء في المدينة.
وفيما يتعلق بتلك المساعي التي شهدت أكثر من جولة مفاوضاتٍ قدمت فيها القوى الثورية والشرفاء من أبناء تعز كُلّ التنازلات لإيقاف هذه الحرب، أوضح الأستاذ سليم مغلس أنه كلما تم التوافق على حل ويأتي الجميع للتوقيع يرفض ممثلو مرتزقة العُــدْوَان التوقيع، فعلى سبيل المثال عندما تم الاجتماع في مقر الهلال الأحمر بحضور الأمين العام، حيث حضر عن الإصْلَاح وشركائه القيادي في حزب الإصْلَاح صادق البعداني، وحضرت القيادات العسكرية والأمنية بالمحافظة وكنت موجودا، وكانت الحلول مقترحة من” قبلهم”، أن يقوم الأمنُ والجيشُ بالانتشار واستلام كُلّ المواقع العسكرية وانسحاب كُلّ المجاميع المسلحة من جميع الأطراف، ويقوم الأمين العام والقيادات الأمنية والعسكرية بإعداد خطة أمنية وتنفيذها.
وبعد موافقة الجميع رفض صادق البعداني وقال بأنه ليس ممثلاً للمقاولة والمرتزقة، ورد عليه الأمين العام قائلاً: “أنت ممثلٌ عنهم وهم أرسلوك إلينا، وهذا المقترح جاء من عندكم”. وخرج صادق البعداني رافضاً التوقيع أَوْ التفاهم.. وهكذا في كُلّ مرة.
ثم كانت هناك مساعٍ من قبل اللجنة الثورية العُليا ونزل الأستاذ طلال عقلان عضو اللجنة الثورية العليا، ولكن كلما تمت الموافقة على جُزئية طلب المخلافي ومرتزقة العُــدْوَان جزئية أُخْـرَى، وبالأخير يأتي حمود سعيد المخلافي ويعيد الأمر إلى السعودية وأن القرار خرج من يده، وقد أقر حمود سعيد المخلافي بنفسه في مقابلة تلفزيونية بذلك.
وأيضاً كانت هناك مساعٍ حثيثةٌ قام بها الشيخ “علي الصلاحي” مشكوراً وبذل جهوداً كبيرةً وهو يربطه مع حمود سعيد المخلافي نسب، وعندما تم التوصل إلى بنود اتفاق مع حمود المخلافي، سافر الشيخ الصلاحي لصنعاء وعرض البنود على الجميع ومنهم رئيس المجلس السياسي لأنصار الله، وحرصاً على أخراج تعز من دائرة الحرب، وافق رئيسُ المجلس السياسي على الاتفاق كما هو.
وبعد الموافقة على ما اشترطه حمود المخلافي بتوقيعَ الآخرين مسبقاً وتمت الموافقة على ذلك ووقّع على الاتفاق عن أنصار الله الأستاذ صالح الصماد، بعلم مشايخ ووجهاء تعز، اشترط حمود المخلافي، مجدداً، موافقة خطية سابقة على ذلك وخاصّة من أنصار الله كشرط تعجيزي آخر، متوقعاً عدم موافقة أنصار الله على ذلك واشترط صيغة معينة، ووافق رئيس المجلس السياسي وكتب موافقةً خطيةً بصيغته المشروطة، وبإمْكَانكم الرجوع إلى الشيخ علي الصلاحي ليرويَ لكم مزيداً من التفاصيل، التي ستثبت للجميع مدى التنازلات التي قدمناها من أجل أيقاف الحرب في تعز، ولكن كان هناك قرارٌ سعودي أمريكي لا يريد لتعز السلام، بل يريدها ساحة لحربٍ مفتوحةٍ تطحن الأرض ومن عليها، وقد أقر حمود المخلافي وتكلم بنفسه أمام شاشات التلفاز في المقابلة التي أجراها معه مراسل قناة الجزيرة حمدي البكاري، وكفى بذلك حُجةً وإيضاحاً.
هنا يتضح وبشكلٍ واضحٍ وجلي وبعيداً عن التأويل، أن الحرب في تعز هي إرادةٌ لدول العُــدْوَان، ينفذها أدواتهم وأذنابهم في الداخل ممثلين بحزب الإصلاح ومليشياتهم وبعض قيادات الأحزاب اليسارية الموالية للرياض، وليس كما يروّجه الكثيرُ من أبواق العُــدْوَان ومرتزقتهم أن أسبابَ اشتعال الحرب واستمرارَها هو تعنُّت أنصار الله وَاللجان الشعبية والجيش ورغبتهم في السيطرة على تعز.
إستعداداتٌ وتجييشٌ على نار هادئة
ومن يراجع تأريخَ الوقائع والأحداث في محافظة تعز منذ عام 2011، سيجد العديد من الأحداث التي تشير إلى أنّ إرادة جماعة الإصلاح التكفيرية ومَن يقف تحت عباءتها من نخب اليسار تسعى بتحويل تعز إلى ساحة للصراع للعديد من الأسباب التي سنوردها في نهاية هذا الملف، أما هذه الأحداث المشيرة إلى أن تحول تعز إلى ساحة تتمرس فيها قوى العمالة والارتزاق لتحقيق أهداف العدو لم يكن وليد اللحظة الراهنة فقد دأبت هذه الجماعات منذ ما سمي بالربيع العربي إلى اعتبار المدينة إقطاعا خاصاً بها مستبدلة هويتها الـيَـمَـنية الجامعة بهويات زقاقية طائفية مصطنعة، وبدأ الترويج لهذا عن طريق القيادات الدينية لتجمع الإصلاح وكذلك من قبل كوادر حزبهم ووسائلهم الإعلامية.
ففي يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر أكتوبر 2014م، كشف القيادي في حزب الإصلاح وعضو مجلس النواب “محمد ناصر الحزمي” عن دعوة الشيخ القبلي المنتمي لجماعة الإخوان حمود سعيد الخلافي لأبناء تعز وإب العاملين في الوحدات العسكرية والأمنية إلى سرعة ترك وحداتهم ومعسكراتهم والعودة إلى محافظتيّ تعز وإب لتأسيس جيش “أنصار السُّنّة” لمواجهة مسلحيّ جماعة “أنصار الله” في إقليم الجند على حد وصف الحزمي، ولم يكن هناك أي مسلح لأنصار الله حينها، بدليل ما تبرر به هذه الجماعات وقوفها في صف العُــدْوَان الأمريكي السعودي وملشنتها للمدينة بأنه ردّة فعل لما تقول عنه نزول الجيش واللجان الشعبية في 21 مارس 2015م إلى تعز.
الحزمي في مقاله الذي نشر في صحيفة “أخبار اليوم” كشف عن تشكيل هذا الجيش دعا بصراحة إلى حرب طائفية مناطقية بين أبناء الـيَـمَـن، مروجاً لانقساماتٍ وهميةٍ قائلاً في مقاله: إن سيطرة “أنصار الله” قد قسمت الـيَـمَـن، ليس إلى شمال وجنوب، فحسب، بل إن الشمال سينقسم إلى دولتين حد قوله.
وكتحريضٍ على أنصار ثورة الحادي والعشرين من أيلول 2014م، دعا الحزمي إلى رفض هؤلاء الأنصار قائلاً بالنص “إنه من المستحيل أن تقبَلَ المناطق السنية أن يحكمَها الحوثي”، داعياً إلى الانضمام لدعوة المخلافي.
وأشار في مقاله بما يدل على علمه المسبق بالعُــدْوَان، أن الـيَـمَـن مقبلةٌ على تشكّلٍ جديد وتغيُّرٍ كبير بسبب ما سمّاه بالعمالة والخيانة والحقد.
وفي هذا السياق كفّر القيادي في حزب الإصلاح “عبدالله صعتر” عدداً من الناشطين المدنيين بمحافظة تعز في مهرجانٍ علني بساحة الحرية، ومن ضمن الذين كفرهم صعتر الصحفي “صلاح الدكّاك” والصحفية “بشرى المقطري” و”أحمد سيف حاشد” و”سُلطان السامعي” قائلاً: إن هؤلاء الذين ذكرت أسماءهم رموز المجوسية في تعز.
لم يكن هذا إلا جزء ظاهر من مخطّط إخلاء تعز من القيادات المدنية والشباب المثقف، وإحلال مليشيات الإصلاح والفكر الطائفي تمهيداً لما أسماه الحزمي بـ “جيش السنة”.
حيث تم اغتيالُ عدد من هذه القيادات المدنية الشابة، على سبيل المثال أقدمت عناصر مسلحة تستقل دراجة نارية على اغتيال الناشطين جميل الوليدي وعرفات محمد الصغير، بالقُرب من إدارة الامن وقيادة محور تعز في الجحملية 16 أغسطس 2014.
كما أقدمت عناصرُ أخرى تستقل دراجة نارية أيضاً على اغتيال عبدِالكريم غانم وعامر العامري أمام مبنى الغرفة التجارية في السابع عشر من شهر أيلول 2014م على خلفية تأييدهما لثورة 21سبتمبر.
كذلك قام مسلحان في صبيحة التاسع عشر من نوفمبر 2014م باغتيال الناشط الثقافي في أنصار الله بسام عبدالغني الجنيد في حي كلابة.
ولم يكن الناشطون المدنيون وحدَهم الذين تمت إزاحتهم أمام مشروع إحلال الفوضى في تعز فحتى القيادات الأمنية وأعضاء منظمة المجتمع المدني الرافضين لجر المدينة إلى الصراع تم استهدافهم أيضاً، ففي صبيحة الإثنين الثاني والعشرين من ديسمبر 2014م، تم اغتيال الجندي في القوات الخاصة ماجد نعامة والموظف في الهلال الأحمر ماجد نعامة بذات الطريقة.
الغريب هنا أنه لم يتم تصفية الناشطين المدنيين ضد محاولات الإصلاح لإشعال الصراع في تعز فقط، بل حتى بعض أعضائهم الذين قدموا مبادراتٍ لتجنيب المدينة حمم الحرب، كما حصل للناشط الإصلاحي صادق منصور الحيدري بعبوة لاصقة زُرعت في سيارته، وأثبتت الأدلة الأمنية فيما بعد أن جماعة الإصلاح هي من وقفت وراء عملية الاغتيال هذه حيث كان الحيدري عضوا نشطاً في لجنة الوساطة لتجنيب تعز أي مشاكل طائفية كما تروج جماعته.
إضافة إلى هذا قادت جماعة الإصلاح التكفيرية إلى حملة تحريضية في محافظة تعز كالملصقات والكتابة على الجدران أن “تعز.. عاصمة السنة” وَ”كلنا دماج”، والبروشورات التي وُزّعت على المدارس والجامعة بأخطار المد الصفوي في الـيَـمَـن كذلك تحريض بعض المدرسين الاصلاحيين على أنصار الله، وبشهادة أحد الطلاب فإن مدرساً إصلاحياً قال لهم “عليكم أن تلبسوا ملابسَ نظيفة وألا تكونوا كالحوثيين”، وغير ذلك من الشائعات التي روجوا لها أن أنصار الله جاءوا لتغيير الكتب المدرسية بكتبهم أَوْ أنهم يسبون الصحابة ولم يكن كُلّ هذه التحريض إلا تهيئة لفكرة عدم تقبل الآخر، ولإذكاء أفكار الجريمة والقتل.
وفي إطار هذا المشروع التدميري، كانت جماعة الإصلاح تتحرش بجماهير الثورة وجماهير أنصار الله، منكرة انتماءها لتعز وتزعم في كُلّ مرة أن من يؤيد هذه الثورة متحوّث جاء من خارج تعز، وأنه دُفِع له ليخرج في المظاهرات المؤيدة للثورة، فيما كانت هذه الجماعات تحشد للتظاهر في تأييد هادي وتطالبه بالعدول عن استقالته واجتثاث مكون أنصار الله.
كلُّ هذه الأحداث تكشف للجميع لنا بشكلٍ جليّ أن ما يحدث في تعز الآن، لم يكن وليد اللحظة الراهنة، كما تكشف لنا أبعاد مجيء الحجوري وجماعته التكفيرية إلى تعز دون غيرها من المحافظات، وعمل محاضراتٍ دينية تحريضية بحي “الأجينات” والذي يصادف أنه الحي الذي يتواجد فيه قائد جماعة “حماة العقيدة” الإجرامية “أبو العباس” حالياً.
كذلك يكشف لنا سر انتقال قاسم الريمي إثر اشتداد الحرب في أبين في أبريل 2014م منها إلى تعز مع مجموعات كبيرة من عناصر القاعدة الذين يقاتلون اليوم مع العُــدْوَان الأمريكي السعودي تحت شعار تحرير تعز.
لماذا تعز؟
من ينظر للطبيعة الجيوسياسية والاجتماعية لمحافظة تعز، يجد أنّ محافظة تعز ذات بنية اجتماعية انتقالية لا هو بالمجتمع الذي وصل إلى المدنية فيحتكم إلى مدنيته، ولا هو بالمجتمع القبلي الذي تحكمه أعراف وقوانين القبيلة.
ومجتمعٌ كهذا مجتمع يسهل التأثير عليه وتوجيه أفراده في الفوضى بأي بروبجاندا تستخدم الاستمالات العاطفية وتضلل الوعي بمعلومات زائفة، وهذا ما تم في تعز بالفعل.
وانطلاقاً من هذا الأساس فإن تعز الأكثر كثافة في عدد سكانها من بين محافظات الـيَـمَـن يتوزع أبناؤها في كُلّ المحافظات وإثارة حرب في تعز بطابع طائفي أَوْ مناطقي يعني إشعالَ حرب في كُلّ الـيَـمَـن.
وبما أن تعز هي الأكثر في عدد سكانها فإنها بلا شك الأكثر في عدد الشباب، وبما أن هؤلاءِ الشباب يحمل معظمهم شهادات جامعية في مجتمع غارق في البطالة وليس لديهم أية أعمال أخرى كالتجارة أَوْ الزراعة كما في بعض المحافظات الأخرى فلا شك أن هؤلاءِ الشباب هم الشريحة التي تستهدفها الجماعات الإجرامية عبر إغرائهم بالأموال والتلويح لهم بإخراجهم من مستنقع البطالة.
وقرينةٌ بهذا كثيرٌ من شباب تعز قد تسللوا إلى السعودية قبل عُــدْوَانها على الـيَـمَـن، ووجودهم هناك للعمل جعل البعض ممن لا ثقافة له سوى الارتزاق يروج اليوم أنه لولا السعودية لما كان وكان… إلخ، مما يعتبرونه إنجازات شخصية لهم، وبالتالي يضللون أسرهم الأميّة بما أُشرِبوا من ثقافاتٍ وهابية هناك في دولة العُــدْوَان السعودي.
إضافةً إلى هذا فإن تعز ظلت خلال السنوات الماضية مسرحاً للوهابية والفكر التكفيري، ولعل الكثير يستغربون إذا قيل لهم إن تعز عاصمة الثقافة تكاد تخلو مكاتبُها من كتب فكرية أَوْ فلسفية، وأن ليس فيها سوى كتب ابن تيمية وباقي كتب الفكر الوهابي، وهذا يمثل بيئة خصبة للفكر التكفيري.
علاوةً على هذا فقد تم الترويج منذ زمن إلى أن تعز عاصمة الثقافة وأبناء تعز هم المثقفون، وبالتالي فإن إشعال فوضى في عاصمة الثقافة ومن قبل المثقفين يهدف إلى شرعنة هذه الفوضى في كُلِّ الوطن؛ لأن الآخر ينظر إلى هؤلاء المثقفين كنُخبة تقود الرأي فينساق خلفهم دون وعي منه، لهذا كانت تعز هدفهم؟، ولهذا كانت تعز مسرحاً لهذه الحرب التي حوّلتها إلى إطلالٍ لا يُسمع فيها سوى دوي الانفجارات وأزيز الرصاص وأنين الجرحى.