تعودنا من المفكر و عالم اللغويات والفلسفة التحليلية الكبير نعوم تشومسكي، ان يكون حديثه عن معرفة واسعة وخبرة، ودائما ما يطرق ابوابا غير مطروقة، ويحلل الأحداث بعقل واعي ويلقي الضوء على ما خفي من الأمور في امريكا والعالم، ولم تكن هذه المرة مختلفة عما اعتدناه من المفكر الأكثر عبقرية في عصرنا هذا، حيث يستعرض لنا، من اين ظهر هذا المسخ الذي يدعوه العالم “داعش” وما هي العوامل التي ادت خلقه وتوحشه، من منطلق ان الطرق الشديد بالمطرقة يجعل ما تحتها يتناثر في كل مكان حولك.
اجرت الحوار الثري والهام، مع المفكر الكبير نعوم تشومسكي الصحفية ميليسا باركر، لصحيفة “سماشين انترفيوز” ، ويعتبر تشومسكي، ان ظهور داعش انما يرجع الى زمن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، وقتلت مئات الآلاف من العراقيين وتسببت في لجوء اكثر من مليوني عراقي لدول خارجية، اضافة الى تدمير البنية التحتية للبلاد، واهم ما فعل هو تأجيج الطائفية في البلاد، وهذا ما لم يحدث من قبل حيث كانت الأسر السنية والشيعية تعيشان مترابطتين بدون اي خلافات.
و كانت نتائج هذا الصراع الطائفي خلق القاعدة التي انبثقت منها داعش، كما ساهمت الأصولية الدينية في السعودية في تكوين فكرا متشددا مدعوما بأموال النفط، انتشر في ارجاء المنطقة العربية، وفي اسيا وافريقيا، ومنها خرجت حركة طالبان، حيث يعتبر داعش نسخة اكثر تطرفا من طالبان والقاعدة، وما زاد الأمر تعقيدا، انه في بعض المناطق من سوريا والعراق، يعتبر السكان السنة هذه التنظيمات حماة لهم ضد جيرانهم من الطوائف الأخرى التي تريد الفتك بهم، بالرغم من معرفتهم بتطرفها العقائدي.
و عندما سؤل تشومسكي عن التفجيرات التي طالت بلدا مثل فرنسا، قال: ان هؤلاء ينحدرون من مناطق فقيرة تتعذر فيها ايجاد الفرصة في حياة كريمة، وان هذه المجتمعات اغلبها جاءت من غرب افريقيا حيث استعمرتهم فرنسا ودمرتهم بصورة وحشية.
و يقول تشومسكي ان هؤلاء يشعرون بمرارة كبيرة، فكل ما رغبوا فيه ان يعيشوا حياة كريمة تحترم ادميتهم، وان اغلبهم لا يعرف الكثير عن الاسلام او القرآن.
و يقول تشومسكي، انه قبل ان ننظر الى الأعمال الوحشية التي قامت بها داعش، يجب ان ننظر اولا للأعمال الاشد وحشية التي قمنا بها، وضرب مثلا على الاستعمار البلجيكي للجونغو، والذي قتل عشرة ملايين شخص بسبب عدم استجابتهم لايصال المطاط لهم بشكل كافي، فحتى عندما ظهر زعيما واعدا هو باترس لومومب لهم اراد تحرير بلاده وتنميتها واستغلال امكانيتها لصالح التنمية الأفريقية ككل، كلفت بلجيكا المخابرات الأمريكية بقتله، وعندما وصلت اليه السلطات البلجيكية، لم تكتفي بقتله، بل قطعت لحمه واذابته في الحامض! وكم من جرائم ارتكبها الاستعمار لا تقل عن هذه الجريمة الوحشية.
و يقول تشومسكي في نهاية حديثه، ان قصف هذه الجماعات بشكل مكثف وبكل ما تملكه الدول الكبرى من تسليح وقوة مدمرة، انما يزيد الأمر سوءً، وان الحرب العالمية على الارهاب، ضخمت منه ونشرته في كل بقاع الأرض بعد ان كان مركزا في مناطق صغيرة في دولة مثل افغانستان، حيث صار له عدة صور وصار اقوى واكثر توحشا.