ينظر البعض إلى ذكرى الربيع العربي بتشاؤم مفرط، مستدلا بالوقائع التي عشناها ونعيشها منذ اندلاع الهبات الثورية في العالم العربي بدءا بتونس ومصر ومرورا باليمن وليبيا وسوريا ..إلخ.
ويقينا أن أوضاعنا المأساوية التي نعيشها اليوم تجعل المرء يتمني لو عدنا أدراجنا إلى ما قبل 2011 ، خاصة إن كانت المقارنة بين ما هو سيء وما هو أقل سوءا.
إلا أن المتمعن في مسار ومآلات النظام العربي الرسمي، يدرك أن الثورة والتغيير كانت مطلبا حتميا في حينه، بغض النظر عن تداعيات الربيع العربي والتدخلات الخارجية التي استغلته وحرفته عن المسار.
لقد كان الربيع العربي صرخة في وجه الاستبداد والتبعية والتخلف الشامل، خاصة وأن النظم السابقة كانت عميلة بامتياز للقوى الهيمنة والاستكبار، وشكلت استمراريتها في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود عقبة كأداء أمام أحلام الأجيال الجديدة التي خرجت تنشد الحرية والكرامة والدولة المدنية.
لا يعيب ثورات الشباب السلمية أن قوى سياسية وانتهازية بعينها ركبت الموجة وفشلت في عملية الانتقال السياسي، التي أوجدت مناخاً من الاضطراب والفوضى سمح بمزيد من التدخلات الأمريكية وصولا إلى الأوضاع التي نعيشها اليوم والتي تنذر بمزيد من الانقسام والتشرذم للأسف الشديد.
ومن يقرأ تاريخ الثورات يلحظ أنها تواجه في العادة بثورات مضادة. وفي بعض الأحيان تنجح الثورات المضادة وتكبح جماح التغيير، حتى تأتي مناخات جديدة تساعد على نجاح هذه الثورة أو تلك. وفي بعض الأحيان فإن الثورات تعيش بين مد وجزر، تتقدم وتتراجع، في موجات ثورية تفرض على الشعوب نوعاً من الاضطراب الذي يفضي في الأخير إلى استقرار متوافق عليه وطنيا.
في اليمن نعيش نفس التراجيديا، فإن زعم الثوريون أنهم قد أنجزوا التغيير، فإن الواقع يكذب هذا الإدعاء، وإن قيل أن العودة إلى الوراء كفيلة بتحقيق الأمن والاستقرار، فإن الأمر بات متعذرا أصلا، ثم لولا أن أوضاع ما قبل 2011 كانت في ذروة السوء لما ثار الشعب عليها.
ما يميز أوضاعنا في اليمن أن التوافق في ظل المبادرة الخليجية حال دون اندلاع ثورة مضادة، وإن كان في نفس الوقت قد وضع حداً لطموحات التغيير، التي تقلصت إلى نوع من المحاصصة السياسية بين أطراف وقوى النفوذ سابقا. وهذه ليست ميزة بالطبع.
الميزة التي أقصدها أن مكونا ثوريا، ظل مستمرا ومرابطاً في الساحات حارساً للثورة ومراقبا للأطراف السياسية التي تصدت لتمثيل الثورة والتفاوض باسمها..ويوما بعد يوم، ونظرا للفشل الذي منيت به حكومة الوفاق مع إخفاق هادي في رعاية المرحلة الانتقالية، كانت اليمن على موعد مع موجة ثانية للثورة الشعبية في 21 سبتمبر 2014.
وإذا كانت القوى الدولية والإقليمية قد نجحت في احتواء الثورة الأولى، فإنها وقد عجزت عن احتواء الثورة الثانية، عمدت إلى تحريك عدوان حاشد وغاشم على اليمن، بهدف ترويض أنصار الله والمكونات الثورية، وإعادة اليمن إلى بيت الطاعة الأمريكي/ السعودي.
وإذا كان من المبكر الحكم على ثورة 21 سبتمبر، خاصة في ظل العدوان الذي جعل اليمن تخوض حرب البقاء والكرامة، فمن نافلة القول أنه لولا 11 فبراير 2011، لما وصلنا إلى 21 سبتمبر2014.
الأمر ذاته ينطبق على ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، فلولاهما لما انتقلنا باليمن إلى خطوات متقدمة مقارنة بما كانت تعيشه في ظل الاحتلال البريطاني والحكم الملكي الفردي والمستبد.