ماذا يعني أن تقاوم غزة أكثر من 400 يوم؟
ماذا يعني أن تقاوم غزة أكثر من 400 يوم؟
هذه إحدى حروب القرن الكبرى .. قوةٌ من بضعة آلاف في بقعة محاصرة منذ ١٧ عاما، لا تتلقى دعماً أو مساندة، تشتبك منذ أكثر من عام مع جيش هو الـ ١٨ عالمياً، وتسنده أعتى قوة عالمية ودول أخرى، ميزانية الدفاع السنوية لديها ٢ تريليون دولار، وتُسخِّر كامل إمكاناتها العسكرية والاستخبارية والدعائية واللوجستية، ثم لا تملك أن تحسم المعركة، ولا أن تحقق هدفاً استراتيجياً واحداً منها!
لم يسبق أن خاضت إسرائيل حرباً وحشدت لها كل هذه الإمكانات، بما فيها العسكرية والمالية والبشرية، وحازت فيها على دعم غربي غير مسبوق، ورغم ذلك، أخفقت بل هُزمت في الميدان، وتخفي خسائرها خشية غضب جمهورها.
ولم يحدث أن انزلق الغرب إلى هذا المستوى في كشف أوراقه، وغامر بمصالحه في الشرق، وتحمل عواقب انخراطه في حرب إبادة، وانحاز بشكل فجِّ ضد شعب يدافع ببسالة ونُبلٍ من أجل حقه في الحياة وتقرير المصير، لو لم يعتبر أنها وجودية وتقرر مصير النظام العالمي لقرن قادم.
ما فعلته غزة، أنها أعادت تشكيل المحاور وخطوط الصراع، ونزعت أوراق التوت عن كثيرين، وكشفت هشاشة قوى متنمِّرة، وأسقطت أصناماً انصاعت لها أممٌ وشعوب، وزرعت في مجتمعات الشرق نهضة غير مألوفة، وارتقت بها نحو العُلا، وغيَّرت قواعد الصراع، وأثبتت أن الشعوب التي تمتلك إرادة التغيير قادرة على أن تقف برسوخ وعزم، وأن تقاوم الظلم وتستعيد حريتها حتى وإن كان الثمن مكلفاً، لكنه جديرٌ بمستقبل مقرونٍ بالعزة والكرامة.
ما زالت غزة تقول كلمتها وتلقنُ المحتل درسها البليغ”.