كواليس هزيمة الصهاينة في حرب الاستخبارات
كواليس هزيمة الصهاينة في حرب الاستخبارات
21 سبتمبر:
تعيش “إسرائيل”، حكومة وجيشا ومجتمعا، حالة صدمة كبيرة على إثر هجوم “طوفان الأقصى” المباغت الذي شنته “كتائب عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس على منطقة “غلاف غزة”، المتاخمة لحدود القطاع، وهو الهجوم الذي أسفر في حصيلته الأولية عن مقتل 600 جندي ومستوطن، وجرح 2000 آخرين، فضلا عن أسر العشرات من الجنود والمستوطنين وجلبهم إلى قطاع غزة، فهناك شبه إجماع في أوساط المراقبين في تل أبيب بأن الفشل الذي منيت به “إسرائيل” في المواجهة المتواصلة مع حركة حماس يفوق بكثير فشلها في حرب 1973، من منطلق أن “إسرائيل” واجهت في تلك الحرب دولا تحوز جيوشاً قوية، فضلا عن أن “إسرائيل” تملك حاليا مقدرات عسكرية وتتمتع بكفاءة استخبارية لا يمكن مقارنتها مع ما كانت عليه الأمور في 1973.
بطبيعة الحال، اعتمد البيت الأبيض استراتيجية الدبلوماسية والضغط لمنع إعلان “نبأ موت إسرائيل”، ويحاول من خلال الترويج لحرب هجينة جديدة فتح هامش أمان جديد للصهاينة، وحول هذا السياق، كتب مرتضى سيمياري في افتتاحية صحيفة جاوان حول فشل المخابرات الصهيونية في عملية اقتحام الأقصى ورحلة بايدن إلى الأراضي المحتلة وقال، “في الخريف الماضي، أفادت قناة الجزيرة عن اعتقال عدد من ضباط الموساد في ماليزيا، وذكر في هذا الخبر القصير أن الشرطة الماليزية ألقت القبض على بعض الأشخاص الذين كانوا يحاولون اختطاف أحد قادة المقاومة في قلب كوالالمبور، وتبين بالتحقيقات أنهم أعضاء في فرق الموساد وكانوا يعتزمون تنفيذ عملية تخريبية”.
ولفت الكاتب إلى أنه في ذلك الوقت، قام موقع “ديبكا” الصهيوني، الذي كثيراً ما ينشر الأخبار الأمنية لبعض الدوائر السياسية في الأراضي المحتلة، بتحليل هذا الفشل بالذات في جنوب شرق آسيا في مذكرة وكتب أن “إسرائيل” خسرت أمام منافسيها في لعبة معلوماتية مرة أخرى!
وأشار الكاتب، لكن ماذا خسر الصهاينة في مدينة كوالالمبور التي تعد من أهم مراكز حرب الاستخبارات في العالم، وماذا كانت نتيجة تلك الهزيمة القاسية؟ الجواب على هذا السؤال يحتاج إلى العودة لعام، ففي يوم 15 تشرين الأول، حلقت طائرات شراعية تابعة لمقاتلي حماس فجأة فوق المناطق المحتلة ووصلت إلى أهداف محددة سلفا في بعض الثكنات العسكرية دون أن ترصدها الرادارات، ولقد عطلت تلك الطائرات قدرة العدو على التعرف عليها، وفي هذه العملية، تم أيضًا تعطيل المعدات وأنظمة الإنذار الحدودية.
وعلقت الكاتب أنه بعد يومين من عملية اقتحام الأقصى الرائعة، تناول موقع إنتل تايمز الإخباري في تقرير له أبعاد المقاومة الفلسطينية للصهاينة وكتب أن “إسرائيل” فقدت هيبتها الاستخباراتية والعسكرية، وأشار هذا التقرير إلى أن الضربة الأمنية للكيان الصهيوني كانت أصعب من الضربة العسكرية، وكانت مصدر فشل الموساد في عملية ماليزيا، وفي نهاية هذا التقرير كتب أن كرات يد حماس كانت أعلى من كرات يد غزة، وتم تعزيز وتدويل المقاومة الفلسطينية.
وقبل عملية طوفان الأقصى، حاول الصهاينة كسب حرب الاستخبارات من خلال تصوير أنفسهم كذبا وتأمين الفضاء الخارجي، لكن حاليا عجز مجتمع الاستخبارات الصهيوني لدرجة أنهم ما زالوا لا يعرفون كيفية عمل الرشاشات التي تعمل بالتحكم عن بعد على الحدود، وقال يوئيل جوزانسكي، المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إن مليارات الدولارات أهدرت في جمع معلومات عن مختلف الجماعات الفلسطينية، لدرجة أن جهاز مخابرات النظام لم يعرف حتى نهاية اليوم الأول عدد الجماعات الفلسطينية التي كانت موجودة والمشاركة في العملية.
إن الوضع الكابوسي الذي تعيشه أجهزة المخابرات والأمن الإسرائيلية قد تسبب في إصابة جيش النظام الصهيوني الإجرامي بالدوار وما يسمى بـ “أشيمز”؛ خلف حدود غزة، وهم الان لا يملكون القدرة على التقدم ولا إمكانية الاختراق، لدرجة أن قصف المدنيين في غزة أصبح مهمة بلا هدف ومتكررة، و”إسرائيل” لا تأخذ زمام المبادرة وتكرر الأمر نفسه باستمرار، وقد أدى هذا الوضع إلى تجميد الصراعات، كما أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى تل أبيب وزيارة بايدن للأراضي المحتلة هي عامل التنفس الاصطناعي الوحيد للصهاينة.
وتشير الزيارات المتكررة لمسؤولين استخباراتيين وسياسيين أمريكيين إلى الأراضي المحتلة إلى أن استراتيجية الضغط على الزناد نشطة على مستوى عال، وأن الشعارات الجوفاء التي أطلقها وزير الحرب الإسرائيلي غالانت لتسوية غزة تحولت إلى تسليح ل”إسرائيل” في الضفة الغربية بأكملها، وبينما يقدر الأمريكيون أن طوفان الأقصى هي حقيقة ضعف “إسرائيل”، إلا أن الحقيقة هي أن النظام الصهيوني قد مات وضاعت إمكانية إحيائه في العصر الذهبي، حرب هجينة جديدة وتحاول فتح هامش أمني جديد للصهاينة.
لقد تمظهر الفشل الإسرائيلي في هذه المواجهة في إخفاق الأجهزة الاستخبارية للاحتلال في الحصول على معلومات مسبقة كان يمكن أن تسهم في إحباط الهجوم أو على الأقل تقلص الأضرار الناجمة عنه، مع العلم أنه لا خلاف على أن “كتائب القسام” خططت لهذا الهجوم منذ مدة طويلة، فضلا عن أن الكثير من قيادات “الكتائب” وعناصرها كانوا منغمسين في الإعداد له مما كان يفترض أن يساعد الاستخبارات الإسرائيلية على الحصول على معلومات مسبقة عنه.
كما تمثل فشل الاحتلال في تهاوي الدفاعات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية أمام الهجوم الذي شنته “كتائب القسام”. فعلى الصعيد البري تمكن مقاتلو “كتائب القسام” من اجتياز الجدار الحدودي الذي أنفقت “إسرائيل” مليات الدولارات من أجل تدشينه بحيث يحول دون السماح بتسلل المقاومين.
ما أثار استهجان النخب الإسرائيلية أن الفرقة العسكرية التي تتولى تأمين الحدود والمستوطنات الواقعة في تخومها، والتي تضم ثلاثة من ألوية الصفوة في سلاح المشاة، يصل تعدادها أكثر من ألفي ضابط وجندي، قد تبخرت ولم تتمكن من صد الهجوم، فقد تمكن عناصر “القسام” من اجتياز الحدود والسيطرة على المواقع العسكرية واقتحام المستوطنات وقتل عدد كبير من الجنود والمستوطنين وأسر آخرين، كما أن عمليات الإنزال التي نفذتها “كتائب القسام” عبر الجو بواسطة الطائرات الشراعية وعبر البحر عبر قوارب، عكست أيضا تهاوي الدفاعات الجوية والبحرية، كما مثل الهجوم الذي ترافق مع إطلاق “كتائب القسام” آلاف الصواريخ مؤشرا إضافيا على عجز منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية وتحديدا “القبة الحديدية”
فضلا عن ذلك، فإن السهولة التي نقلت بها “كتائب القسام” أسراها من عمق “إسرائيل” إلى داخل قطاع غزة دون تمكن جيش الاحتلال من اعتراضها، ومواصلة “كتائب القسام” عمليات التسلل والسيطرة على المستوطنات حتى بعد مرور حوالي 36 ساعة على بدء الهجوم يعد فشلا آخر مدويا ل”إسرائيل” وجيشها، كما أن حالة الإرباك التي أصابت الحكومة الإسرائيلية التي عجزت عن تقديم إجابات للجمهور الإسرائيلي حول ما جرى وحقيقة الخسائر البشرية التي لحقت بالجيش والمستوطنين أثارت الكثير من التساؤلات حول أهلية المستوى السياسي لإدارة أزمة من هذا القبيل.
لقد دلل الهجوم الذي شنته “كتائب القسام” على فشل الافتراضات التي حكمت سياسة “إسرائيل” تجاه غزة، حيث اعتقدت القيادتان العسكرية والسياسية في تل أبيب أن حركة حماس غير معنية بالتصعيد، وكل ما يعنيها تثبيت حكمها في القطاع عبر تحسين الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب ذلك فقد أثرت مظاهر نجاح الهجوم الحمساوي، كما عكست ذلك الفيديوهات التي بثتها “كتائب القسام” والتي وثقت عمليات الاقتحام والتسلل والسيطرة على المواقع وأسر الجنود والمستوطنين ونقلهم إلى عمق قطاع غزة، على الوعي الجمعي للمجتمع الإسرائيلي بأسره ومست بمعنويات الإسرائيليين. وقد تُكرس انطباع لدى المراقبين في تل أبيب أن حركة حماس قد حققت انتصارا مبكرا بغض النظر عن النتائج النهائية للحرب التي أعلنتها “إسرائيل” على غزة في أعقاب الهجوم