هادي والمصير الأخير ..واللعب على الاوراق الاخيرة
معاذ منصر
هادي باق في عدن منذ شهر تقريباً، ومنذ عاد إليها بعد غياب طويل دام أكثر من عام، أكدت حكومته، وشواهد أخرى، أنه كان تحت الإقامة الجبرية، ورهن الاعتقال والاحتجاز. وبعد تفاهمات وزيارة قام بها هادي إلى أبو ظبي، تمكن من العودة إلى عدن، منتصف يونيو الماضي. العودة اعتبرها هادي وحكومته «نصر»، وبقائه لمدة شهر حتى الآن «صمود»، وكأن الحديث لا يجري عن رئيس وعن شخصية يمنية، يفترض ألا تكون سوى في الداخل، في ظل المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد.
طوال الفترة الماضية، ظل مصير هادي غامضاً ومجهولاً، إن لم يكن مهدداً بمغادرة المسرح السياسي اليمني. واليوم وبعد العودة إلى عدن، لا يزال مصير هادي غامضاً ومهدداً أيضاً، فالحديث الذي كان يدور بشأن الطلب من هادي مغادرة عدن للقاء المبعوث الأممي مارتن غريفيث في الرياض، والذي يقال إن هادي رفضه، مصراً على اللقاء بالمبعوث في عدن، يشي بأن الرجل لا يزال يستشعر «المؤامرة»، فيما مصيره الأخير، لم يحدد بعد.
عاد غريفيث قبل أربعة أيام تقريباً إلى عدن، والتقى هادي وحكومة «الشرعية» للمرة الثانية، وأثناء مغادرته، أكد المبعوث الأممي على أنه حمل جملة من المقترحات الجديدة بشأن التمهيد للمفاوضات إلى الحكومة في عدن، ومن بين تلك المقترحات الاتفاق على إطلاق المعتقلين وعلى الملف الإنساني والاغاثي. ولكن مصادر سياسية مقربة من مكتب الرئيس هادي، أكدت في حديث إلى «العربي»، على «وجود مقترحات أخرى طرحها على الرئيس هادي، وهذا الأخير يتحفظ عليها، وقد شكل لجنة لدراستها، وينتظر غريفيث الرد عليها من قبل الحكومة الشرعية».
من جهتها، كشفت مصادر مقربة من مكتب غريفيث ، لـ «العربي»، «عن أن شخصية دبلوماسية أممية (من قبل غريفيث) وصلت إلى عدن الخميس، لمتابعة المواقف، ورصد جديد المعلومات والردود، ورفعها إلى المبعوث، لتقييم مسار التفاوض، ومدى التزام الأطراف اليمنية بما يتم النقاش فيه في كل جولة».
وما بين هذا وذاك، يبدو أن استفسارات في غاية الأهمية، تدور بشأن الرئيس هادي وما يرتب له في ظل بقائه في عدن. في ضوء تقاطعات سياسية وعسكرية، وحالة من «اللا حسم» للتفاهمات بين «الشرعية» وأبو ظبي، تبقي الباب مفتوحاً أمام الخلافات التي قد تتطور.
التوجه الجديد لهادي يقوم على صعيدين، أولاً إعادة ترتيب العلاقة مع الامارات من جهة، وثانياً ترتيب أوراق المفاوضات المحتملة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة (وبالتالي المجتمع الدولي والسعودية). تظهر الاستفسارات فيما بين الاتجاهين، ماذا يريد هادي قبل المفاوضات؟ هل يريد تحجيم الامارات في عدن خوفاً من أن تفضي تحركات أبوظبي إلى تفاهم إماراتي – سعودي على الاطاحة به في أي تسوية مقبلة، كأحد بنود التفاهم المحتمل مع أنصار الله؟ أم أنه يريد ترتيب أوراقه كي يكون قوياً على طاولة المفاوضات مع «أنصار الله»، خصوصاً وأن دائرة القوى السياسية التي ستشارك في المحادثات هذه المرة ستكون أوسع؟ أي «حل للسلام» يريد هادي؟ وهل يتفق مع رؤية الإمارات لما بعد «السلام» في اليمن؟ وأين تقف الرياض ما بين المتخاصِمَين؟
أسئلة كثيرة، حملها «العربي» إلى مصادر سياسية في عدن، قريبة من مكتب الرئيس هادي، وفي معرض ردها، أكدت المصادر أن «الرئيس هادي يهيئ الميدان لخيارات الحرب والسلام. وتصالحه مع الامارات يخدم المعركتين، الحرب والسلام، وهو تصالح لعبت فيه المملكة العربية السعودية جهداً كبيراً بهدف توحيد جبهة الشرعية والتحالف على الصعيد العسكري، كما حصل في الساحل الغربي، وعلى الصعيد السياسي، كما سيحصل في المفاوضات القادمة، في حال نجح المبعوث غريفيث في اختراق العملية السياسية».
وتابعت المصادر: «أما السلام الذي يريده هادي، فهو صرح به مراراً وتكراراً، أن الشرعية تلتزم بالسلام الذي سيعيد العملية السياسية إلى ما قبل سقوط صنعاء، أي إلى مرحلة استكمال مسودة الدستور، وما تبقى من خطوات تالية. وهذا يعني أن على الحوثي تسليم السلاح والانسحاب إلى ما قبل عمران، وهو طلب لن يقبله الحوثي إلا إذا انكسر في الحديدة، وفي صعدة، عسكرياً. وأية مفاوضات من دون تحقيق ذلك، ستكون مجرد إعطاء الحوثي فرصة للتنفس وإعادة ترتيب نفسه للمعركة القادمة، كما حصل في المفاوضات السابقة».
وتضيف المصادر أن «السلام الذي يريده هادي، يستند إلى المرجعيات الثلاث، وهو مطلب كل القوى المساندة للشرعية محلياً وخارجياً، والامارات العربية المتحدة، ليس لها مفهوم للسلام خارج هذه المعادلة، ولم تعلن عن رؤية خاصة بها للسلام بشكل رسمي حتى الآن، وأي سلام خارج المرجعيات الثلاث، لن يحمل حلاً للمشكلة اليمنية، وإنما سيكون مجرد هدنة لاستئناف حرب أكثر دماراً، والرئيس هادي الآن يحاول أن يلعب على هذا المسار».
ولفتت المصادر، إلى أن «هادي يستعد الآن لمواجهة مصيره الأخير، وسيعمل بكل السبل، سيحاول أن يلعب بكل الأوراق المتبقية في يده، ولو أنها ضعيفة وقليلة، لكنه (الرئيس) يرى أنه هذا هو الخيار الأخير بالنسبة له».
من جهتها، قالت مصادر سياسية مطلعة في عدن، في حديث إلى «العربي»، في هذا السياق، وحول ما يرتب له هادي في عدن بشأن السلام وورقة التفاهمات مع الامارات، إنه «لا يبدو أن هادي منسجم مع الرؤية الاماراتية، خصوصاً وأنه يدرك أن أبو ظبي هي التي وضعت له حقل ألغام في العاصمة المؤقتة عدن، التي كان يعتقد هادي أنها ستكون الملاذ الآمن لحضوره، ولحضور الدولة، ولا يقتصر الأمر على تفخيخ حضور الدولة بالحزام الأمني، بل زرعت لهادي شقاق مناطقي له علاقة بإرث الصراع الجنوبي – الجنوبي المرير».
وفيما يتعلق بالمقاربة الاماراتية لـ«السلام»، تقول المصادر إن الإمارات «لا تتفق مع المرجعيات الأساسية، وهادي بالنسبة له (تعتبر) هذه المرجعيات الأساسية ملاذاً آمناً، وهي آخر ما تبقى من فكرة حضوره الرمزي كرئيس، وكذا حضور الدولة، وحالة اللا دولة هدف إماراتي واضح منذ البداية، وهي ستدعم أي حل سياسي يبقى الدولة اليمنية في حالة هشاشة، لكي تقدم نفسها كحامي للمجال اليمني الحيوي البحري على وجه التحديد، لأغراض تتعلق بأطماع أبو ظبي وأغراض أخرى، من بينها تقديم ذاتها كفاعل في المنطقة، من خلال نفوذها في اليمن، إضافة إلى نفوذها المالي، وهنا، تحاول أن تربط شبكة من المصالح الأمنية الاقتصادية والجيو سياسية مع أطراف دولية لاعبة في المنطقة، كامتداد لميراث الاستعمار القديم – الجديد، وصفقات ما بعد الحرب العالمية الثانية».
وفق المعادلات الحالية، السياسية والعسكرية، يؤكد مراقبون على أن عودة هادي إلى صنعاء رئيساً، بمظلة دولية أو اتفاق سلام، أمرٌ شبه مستحيل، ولو حصل ذلك، ستكون عدن أمامه أكبر تهديد في المستقبل، فكيف إذا كانت حظوظ عودته إلى صنعاء شبه معدومة؟ في حين يرفض إلى الآن مطالب الانفصاليين الجنوبيين المدعومين إماراتياً، ويسعى إلى تحجيمهم في عدن… فأي عدن يريد قبل المفاوضات المحتملة؟
تعليقاً على السؤال، قالت المصادر المقربة من مكتبه لـ «العربي»، إن «هادي سيحكم اليمن من عدن حتى يحل السلام، ويسلم الحوثي السلاح، ومؤسسات الدولة، وينسحب بإشراف دولي، وربما تبقى عدن عاصمة دائمة أو منطقة أخرى غير صنعاء».
وأضافت أن «الامارات لم تعلن حتى الآن بأنها مع الانفصال، لأن هذا ربما يصيبها في المستقبل. قد يظهر من يطالب بانفصال الامارات، وقطر سوف تدعم هذا الاتجاه، فمن مصلحة الامارات دعم الدولة الاتحادية ومعالجة القضية الجنوبية بإنصاف».
المصدر: العربي