في ذاكرة سوق الهنود بالحديدة الناجية الوحيدة تحكي اللحظات ماقبل الأخيرة بالتفصيل “مؤلم”
في ذاكرة سوق الهنود بالحديدة الناجية الوحيدة تحكي اللحظات ماقبل الأخيرة بالتفصيل “مؤلم”
#رند_الأديمي
في يوم خريفي كان قد ودع صيفه وفي أكتوبر العام الماضي بدت مدينة الحديدة نافضة حمولة صيفها الشديد لتستقبل شتاء مُعتدل جميل
…
سوق الهنود هو سوق يزدحم بالمارة والباعة لايقع أمامه أو خلفه أي معسكر أو حتى مخزن للأسلحة …هنالك فقط
سكان وباعة يعيشون سعداء دوما ببساطة رياح البحر الاحمر الذي تهب رياحه الشرقية في نفوسهم هكذا يتسمون سكان تلك المناطق
بيوت قديمة منهكة حملت ماضيهم وحاضرهم معا بيوتاً أشبه بوطن عتيق
…….
قبل القصف بدقائق
توفت زوجة الأبن وكانوا قد أعدوا لها مراسم العزاء كانت الدموع تنهال من نساء العائلة على الفقيدة ثم
تم تشييع جنازتها ثم إستعد الرجال لإستقبال المعزيين
فجأة
فُجعت رفيقة بصوتاً مدوي ودخان مُتطاير
لم تعلم أن خيمتهم الطربالية هي الهدف العسكري لهذه الليلة
ولم تكن تتوقع أن الطائرة حطت قُبحها فوق رؤوس أسرتها
ما الذي إنفجر ؟ زلزال ربما أو بركان!
لم تلبث رفيقة أن تسأل نفسها حتى جاوبتها الأشلاء المتناثرة رأسا في يمينها وفي شمالها ذراعاً كانت تعرفه جيداً ولم تعُد تتعرف عليه !
ياللهول !إنها غارة إستهدفت الخيمة
ولا أحد حولها سوى أبنتها وزوجة أخيها
سول في نفس رفيقة أن تغطي رأسها المملوء بحجار المنزل الذي كشف سترها بعد عُمّر
إنها الفاجعة!!
١٨٠ رأسا متلاشي ١٨٠ أذرعا وكومات لحم تتداخل مع الجماجم
ركضت رفيقه صارخة أين بيتنا وسياج بيتنا المُحصن برجاله؟
ليصرخ أحد المنقذين قائلاً لقد ماتوا جميعا و لم نتعرف على أحد….لحم ..ودم
إستشهد جميع رجال أل الحمادي ولم يتبقى سوى ثلاث نساء وطفلين؟
ركضت رفيقه وزوجة أخيها وأبنتها بملابس المنزل وبلاغطاء الى سيارة الٱسعاف وخلفها ركام في ركام تجوب أنحاء مستشفى المدينة باحثة عن بقايا إنسان أو حتى جثة مشلولة أو نصف لازال على قيد الحياة يجعلها تشعر بالرضا
…
لاشيء يصف نكبة نساء الحمادي
عندما أمرهن الطبيب بالمغادرة والراحة في المنزل لأن لا أحد هنا ولا أحد على قيد الحياة وبقائهن في المستشفى لن يجدي نفعا!
سقطت على ركبتيها من هول الموقف متوسلة الطبيب أن يعيد النظر فلربما هنالك خلف كومات اللحم رجلاً او طفلاً ينتفس لتغمره
طأطأ الطبيب رأسه وهو لايعرف ماالذي يمكنه قوله !
مسك على كتف” رفيقه” قريب لها قائلين: لاتحاولي لا أحد على قيد الحياة ،
ركبت رفيقة السيارة هي وابنتها وزوجة اخيها وفي طريقهم الى الخيمة والمنزل المدمر
وكان الطريق طويلاً أطول من عُمر مسن قد سأم عمره وذبل قبل الرحيل
تأملت رفيقة أن تعود الى المنزل لتكتشف جثة على قيد الحياة لم يراها المنقذيين ،جثة خانت أهداف العاصفة
ولكن لم يكن أحد هناك ….لا أحد …لا أحد سوى صدى مريع وضحكات من كانوا هناك
….
أقمن النساء الناجيات عند أقاربهن وهن يرتجن أن تعود الساعات الى الوراء
أن يطل عليهن عبده عبد الجليل “أحدى الشهداء”
او اخوته بأكياس الخضروات ليأمرهن بأعداد الطعام
ولكن لا أحد ولاصوت يعلو على صوت النكبة
عندما قطعن الأمل وأدركن الحقيقة
قررن السفر بعيدا عن ذكريات خيمة العزاء وسوق الهنود
هاجرت رفيقة الى صنعاء عند منزل أبنتها
في بيت صغير قياسه غرفتين وكل غرفتين بضع الأمتار حاملة معها أطفال جرحى وجلباب مقطع يسترها بعد ان فقدت حتى وسادتها المختلطة بالدم وركام المنازل
ومع الأسف
تزدحم العاصمة صنعاء بمنظمات الأغاثات ورفيقة هنا لا لحاف لها تتدثر منه من مزاجية الشتاء ولا حتى مؤونة
ومنظمات الاغاثة تغرد في سرب أخر
تعيش الان رفيقة على المهدئات وكلما حلقت طائرة إرتفعت صفائح الدم وذاكرتها تعود للوراء الى حيث خيمة العزاء….
“لاشيء يهم بعد الان ولا وجع ينخر عظمي بعد ما ودعت أهلي جميعا أكوام لحم”!
هكذا قالت لي رفيقة وأستأنفت دمعتها وبوحها المزلزل قائلة
سأحيا وسأقف لاتقلقي لأجل أطفال اخوتي المجروحين الأيتام
وسأحارب السعودية لأنتقم لأخوتي وأهلي ولكن قولي لي كيف ؟وأين طريق الإنتقام؟