زكريا الشرعبي
رحمة الله على الأديب البردوني، كان يعي دائما ماهو دور المثقف وأين يجب أن يكون ويظهر موقفه بجلاء.
بالأمس كتب الدكتور عبدالعزيز المقالح قصيدة بعنوان “بكائية لعام 2016م”
قال فيها أن الظلام يسير في الطرقات ويرقب غرفته وأن القبر أوسع من الأرض
قال فيها:
دعيني أرحل عن وطن بائس الأمس واليوم
فيه تموت العصافير جوعا وتسمن فيه الذئاب
وما كتبته يدي ليس إلا صدى شجن حارق
وبكاء من الكلمات
على بلد كنت أحسبه بلدا
وعلى أمة كنت أحسبها أمة
ظلها يمتد من ماء تطوان حتى سماء الخليج”.
يتحدث المقالح كأنما هو من خارج هذا البلد ،يتحدث كأنما لا علاقة له إطلاقا به، كأنه لا يقف على رأس هرم مثقفيه .
ينسى أنه في الوقت الذي كانت النار تحدق بهذا البلد من كل الجهات وتلتهم أطرافه كان مشغولا بالكتابة عن الصورة الشعرية في قصيدة الحداثة وعن شعرية “سعيد عقل” وفشل تفكيره.
وحين اشتعلت النار في هذا البلد كان مشغولا بالكتابة عن أصدقائه من شعراء السودان والمغرب ومصر.
نعم لقد ماتت العصافير في هذا البلد وسمنت الذئاب لكن المقالح أول من “خدع هذه العصافير”.
نعم هذا الوطن بائس اليوم والغد لكن بؤسه لم يكن ليحدث لولا خذلان من كنا نعتبرهم نخبته ومثقفيه وتواريهم بعيدا حد الغياب في أهم مراحل تاريخه المفصلية.
إنه لا قيمة للمثقف إذا ما انفصم عن الواقع وعاش في بوتقة النظرية والسرد التاريخي ولا قيمة للقصيدة إذا لم تكن واعية بهم اللحظة الراهنة والمقالح بذاته يدرك هذا.
إن على المثقف أن يعيش في الواقع لا في الخيال ، بين الناس لا بين السطور. إن عليه أن يحبب إليهم وطنهم سعيدا كان أو بائسا لا أن يأمرهم بالرحيل عنه.
لقد وقف الراحل محمود درويش مع لبنان أيام حربها الأهلية وأيام العدوان الصهيوني عليها وقال فيها “مديح الظل العالي” و” قصائد بيروت” مع أنها لم تكن بلده فهلا سجل المقالح مع بلده موقفا كموقف محمود درويش مع بيروت؛ فقط كموقفه من بيروت وليس كموقفه مع وطنه فلسطين الموقف الحاضر من غصن الزيتون الأول إلى رمية النرد الأخيرة