علي محسن فشل فشلا ذريع في إستمالة قبائل صنعا كيف ولماذا؟
فائز الأشول
مضى أكثر من عام على إطلاق “التحالف” و”الجيش الوطني” عملية “تحرير صنعاء” في الـ23 من نوفمبر 2015م. ألقيت خلال تلك الفترة أطنان من الصواريخ وقنابل الطائرات على جبال مديرية نهم، وتكدست في المتارس العبوات الفارغة لرصاص المتحاربين، الذين سقط منهم المئات قتلى وجرحى. ولا يزال “نَهَم” الموت فاغراً فاه في نِهم، فيما لم تصل قوات “الشرعية” إلى المديد، مركز المديرية.
لقد رأى “التحالف” في نهم أقرب الطرق للوصول إلى صنعاء الملاصقة لمحافظة مأرب “المحررة”، بعد أن تمكنت قوات “الشرعية” قبل 13 شهراً من تحقيق اختراق في طوق صنعاء بالسيطرة على معسكر الفرضة. وساد شعور في الشارع اليمني بأن سقوط صنعاء على بعد خطوة، وأن نقيل ابن غيلان البوابة الأخيرة؛ فما الذي حدث..؟
منعطف إجباري
يقع الطريق الأسلفتي من رأس فرضة نهم إلى نقيل ابن غيلان في منخفض محاط بالجبال، التي يتحصن فيها مقاتلو “أنصار الله” وحلفائهم جيداً، ما يجعل أي محاولة لتقدم قوات “الشرعية” مغامرة بأن تكون صيداً سهلاً لخصومها. لذا، لجأت إلى خطة بديلة؛ أحضرت عشرات الجرافات إلى مفرق الجوف أسفل الفرضة، و بدأت بشق طرق ترابية في الجبال، شمال شرق نهم، تحت غطاء من القصف المدفعي.
و عبر هذه الطرق نفذت محاولات زحف عدة، و تمكنت بمساندة طيران “التحالف” الذي تقوده السعودية من الوصول الى مرتفعات قتب و المدفون المطلة على المديد، مركز مديرية نهم، و تعثرت هناك منذ شهور و إلى اليوم.
قتلت طائرات “التحالف” عشرات المدنيين في نهم، ودمرت عدداً من المنازل، و هذا ما ساهم في اصطفاف الكثير من أبناء المديرية إلى جانب “أنصار الله”، و امتناع كثير من مشائخ القبيلة عن الإلتحاق بصف “الشرعية”، رغم تلقيهم اتصالات و إغراءات من الجنرال علي محسن الأحمر.
بني حشيش وبيت السيد
زحف تلو الآخر لقوات “الشرعية” في جبال نهم أملاً في اختصار الطريق إلى نقيل ابن غيلان، في وقت تبرز فيه مخاوف السلطة في صنعاء من انعطاف قوات “الشرعية” ثانية، و لكن صوب مديرية بني حشيش المتاخمة لنهم، و هو ما تجلى في اجتماع الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، بمشائخ بني حشيش، حيث حثهم على “توحيد صفهم و الصمود في وجه العدوان”. إلا أن من يعرف التركيبة الإجتماعية في المديرية و ما يعتمل بداخلها، تتعزز قناعته بأن محاولة تقدم قوات “الشرعية” صوبها لن يكتب لها النجاح.
تقول مصادر قبلية، لـ”العربي”، إن أكثر المقاتلين في صف “أنصار الله” في الجبهات كافة من بني حشيش، كاشفة عن سقوط أكثر من 1200 قتيل من أبناء المديرية خلال الـ21 شهراً الماضية.
منذ قرون و بني حشيش إحدى الحواضن الرئيسة للفكر الزيدي و الهادوي، وفي العام 2009 انتفض أبناء القرية في وجه النظام مسانَدة للحركة “الحوثية” في صعدة، و التي كانت تخوض حينها الحرب السادسة، و لم يتمكن النظام من صد تمردهم إلا بوحدات من القوات الخاصة التي كان يقودها العميد أحمد علي عبد الله صالح.
إثر ذلك، غادر المرجع الزيدي، إبراهيم الوزير، معقله و مسجده في بيت السيد وسط بني حشيش، عقب انتهاء الحرب السادسة، إلى خارج اليمن، بعد أن صار له آلاف من التلاميذ في المديرية.
و مثلما تناصر بني حشيش السيد الحوثي، فقد وقفت إلى جانب قاسم منصر، و خاضت خلفه حرباً من العام 62 وحتى العام 70، و عند اعترافه بـ”الجمهورية” و دخوله قصر المشير السلال في صنعاء قتلته القبيلة.
الرمال المتحركة في أرحب
أكثر المندفعين لـ”تحرير صنعاء”، القيادي في حزب “الإصلاح”، والنائب في البرلمان عن إحدى الدوائر في مديرية أرحب، الشيخ منصور الحنق، الذي يقضي الكثير من أيامه ولياليه في شعاب نهم منذ شهور، ويترجل من مدرعته ليشارك الجنود والمقاتلين من أبناء قبليته تعبيد الطرق للأطقم في جبال المجاوحة وبني بارق وبيت فرج.
يرصد الشيخ الحنق هدفه بدقة، وفي سبيل تحقيقه سقط العشرات من أبناء أرحب في معاركه الأخيرة ومحاولات زحفه والتفافه من جبال نهم صوب نقيل بن غيلان.
لو قدر لقوات “الشرعية”، وفي المقدمة الشيخ الحنق ومقاتلوه، الوصول إلى نقيل ابن غيلان، فلن يتوجه إلى الأمام باتجاه الحتارش؛ فبغيته مفرق أرحب التي ستقوده إلى بوسان والجامعة والصمع، وهناك ستنتفض قواعد حزب “الإصلاح”، و سيكون مقاتلو “أنصار الله” وحلفائهم محاصرين في مواقعهم بمديرية أرحب، حاضنة حزب “الإصلاح” و خصوم “الحوثيين” و صالح.
و لتفادي هذا السيناريو، عززت السلطات في صنعاء تواجدها، و وزعت كتائب اللواء العاشر حرس جمهوري في عزل وقرى المديرية، ونصبت “أنصارالله” عشرات من نقاط التفتيش في الطرق الرئيسية والفرعية، وفي كل يوم يتعاظم قلقها من انتفاضة مسلحة ضدها من أرحب. فبين الحين والآخر تعثر على مخازن لقذائف الكاتيوشا والذخيرة الحية بأنواعها في جروف وكهوف الجاهلية ومران ويحيس وبيت العذري. لقد كدسها الشيخ الحنق في العام 2011 من مخازن الفرقة الأولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية، وشارك بالقليل منها في مهاجمة معسكرات الحرس الجمهوري في الصمع وبيت دهرة وفريجة، ليغادر أرحب مع المئات من حزب “الإصلاح”، بعد أيام من سقوط الفرقة الأولى بيد “أنصار الله” في سبتمبر من العام 2014، ويلحق بالجنرال علي محسن إلى الرياض. وهاهو اليوم يخوض معركة العودة صوب أرحب، التي يروي تاريخ الصراع السياسي فيها أن المشير عبد الله السلال أبلغ باعتراف الولايات المتحدة بالجمهورية، فلم يتحمس ورد على ناقل الخبر: “قل لي هل اعترفت أرحب بالجمهورية والا لا”.
مشائخ جدد
راهنت الرياض على استمالة مشائخ القبائل في محافظة صنعاء التي تطوق مديرياتها العاصمة، و كلفت اللواء علي محسن بتنفيذ المهمة لكن جهوده لم تفلح.
فمنذ العام 2011، توغلت “أنصار الله” في مديريات الطوق، ومع بدء عملية إسقاط صنعاء في العام 2014 توجهت القبائل صوب مداخلها، ولكن بزعامات قبلية جديدة من ذات البيوت المشيخية أمدتها قيادة “أنصار الله” بالمال والسلاح و”الشاصات”، وفرضت نفوذها في نهم وخولان وبني حشيش وأرحب والحيمة وهمدان وبني الحارث.
لقد صار لـ”أنصار الله” مشائخ موالون لها صعدوا للواجهة كصعودها، وأغلبهم من صغار السن. كما أن الولاء الحزبي هو العامل الأبرز في الاصطفاف مع طرفي الصراع؛ فقواعد “المؤتمر” غالبيتها مع “أنصار الله”، وقواعد “الإصلاح” التي تتركز في مديرية أرحب لا تزال على ولائها لحزبها.
البعض من أبنائها التحق بجبهات “الشرعية”، والبقية يخوضون معارك كلامية في “المقايل” مع المختلفين معهم، ويترقبون وصول طلائع قوات “الشرعية” والشيخ منصور الحنق.
مخزن ذخيرة
اللافت في الأشهر الأخيرة افتتاح “أنصار الله” معسكرات قبلية في مديريات طوق صنعاء. ففي بطون الجبال ببني حشيش والحيمة وهمدان وبني مطر وحتى في مديريات العاصمة كالثورة والسبعين، يلتحق المئات بمعسكرات خاصة لـ”أنصار الله”، ويخضعون لتدريب قتالي لثلاثة أشهر، ويتلقون محاضرات فكرية ودروساً من ملازم المؤسس حسين الحوثي. وفي ختام كل دورة، يتم تسليحهم وإلباسهم زي الجيش والأمن والدفع بهم إلى جبهات القتال.
لقد صارت مديريات طوق صنعاء، باستثناء أرحب، المخزون البشري لمعارك “أنصار الله”، التي وجدت فيها وفرة مقاتلين سدت بهم كافة الثغرات في شرق العاصمة وشمالها، لتدفع بالفائض إلى جبهات الحدود وتعز والجوف.